قائد فوج المغاوير إلى السفر بعد التقاعد
شامل روكز يستعدّ لتظهير.. «الوجه الآخر»
لعل أسوأ وأخطر ما يتعرض له الجيش منذ فترة، هو انكشافه أمام سيل من الثرثرة السياسية التي كسرت الكثير من المحرمات والحرمات في المؤسسة العسكرية.
لم يبق أحد إلا وأعطى رأيه في الترقيات العسكرية حتى أصبح مصير الضباط مادة للاستهلاك اليومي، ولم يبق عاطل من العمل السياسي إلا ووجد في ملف المؤسسة العسكرية فرصة للخروج من أزمة البطالة.
من السجال الذي رافق التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، الى التجاذب حول ترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، تحولت المؤسسة العسكرية الى «مشاع» أمام الطبقة السياسية التي انتهكت خصوصية هذه المؤسسة، وكادت تعبث بـ «سلامها الداخلي» ونسيجها المرهف، من دون مراعاة الحاجة الملحة لتحييدها عن المماحكات والتجاذبات المحتدمة بين أطراف الصراع.
وإذا كان المتنازعون على بقايا النظام المترهل، يلتقون حول قاسم مشترك واحد تقريبا، وهو ان الجيش بات يشكل الضمانة الاخيرة للاستقرار النسبي في لبنان، وسط تصدع المؤسسات الاخرى واندلاع الحرائق في المنطقة، إلا ان المفارقة ان هؤلاء أنفسهم يعبثون بـ«أمن» المؤسسة العسكرية ويحاولون تشتيت تركيزها وجهدها، عبر إلهائها بمعمعة التعيينات والترقيات، وما يمكن ان تثيره من حساسيات شخصية أو مهنية بين بعض الضباط.
وكل من يتسنّى له التواصل مع قهوجي وروكز، على حد سواء، يلمس شعورا واضحا لديهما بالقرف والاشمئزاز حيال زج المؤسسة العسكرية في مستنقع اللعبة اللبنانية التقليدية، القائمة على أساس الاصطفافات الطائفية والمذهبية والولاءات الفئوية والفردية، خلافا للثقافة السائدة في صفوف الجيش، حيث «الإمرة» للمناقبية العسكرية والهوية الجامعة.
وحتى العماد ميشال عون فقد حماسته للتسوية التي كان يُعمل عليها من أجل إطالة خدمة روكز العسكرية، بعدما جرى التسويق لهذه التسوية باعتبارها «خدمة» شخصية له ولصهره، علما ان الاستغراق في النقاش حولها كاد يؤدي الى تغييب المطالب الجوهرية لـ «التيار الوطني الحر».
والأرجح، ان الجنرال ليس منزعجا من التشدد الذي أبداه الرئيس ميشال سليمان وحزب «الكتائب» في التعاطي مع اقتراح الترقيات، لأن ذلك أعطاه فرصة للتفلت من مشروع المساومة الذي كان مطروحا عليه، من دون ان يتحمل أي «مسؤولية جزائية» مباشرة عن فشله.
ثم ان الصيغة ـ الحل الموضعي كانت ستكبل الجنرال وتلزمه بالتهدئة من دون مقابل وازن، في حين ان سقوطها سيحرره سياسيا وشعبيا وسيسمح له بالمضي في معركته الأصلية المتصلة بالشراكة والتوازن، والتي ستكون على موعد مع جولة جديدة ومفصلية، الاحد المقبل.
وإذا كان العميد روكز يكتفي حتى الآن بالمراقبة، ملتزماً بالصمت الذي يفرضه موقعه العسكري، إلا ان المقربين منه يؤكدون ان الرجل مستاء جدا من زج اسمه في سجالات سياسية عبثية، وبالتالي فهو ليس معنيا بكل ما يحكى ويحاك من صيغ، ولن يتردد في اتخاذ القرار المناسب تبعا لما يمكن ان يفعله الآخرون.
وما يعزز ميل روكز الى الاحتفاظ الصمت، على الرغم من إحساسه بالغضب والمرارة، هو خشيته من ان يُفهم أي موقف علني يصدر عنه الآن وكأنه مجرد رد فعل على فقدان الامل بترقيته.
ويؤكد عارفو روكز انه يوضب حقائبه ويستعد للتقاعد العسكري في منتصف الشهر الحالي، كاشفين عن انه بصدد السفر في إجازة عائلية ما بين 20 و24 تشرين الاول، لأنه حُرم خلال السنوات الماضية من فرصة أخذ قسط من الراحة، بسبب رفضه الابتعاد عن الميدان في ظل الظروف التي كان ولا يزال لبنان يمر فيها.
ويلفت المحيطون بروكز الانتباه الى ان بعض الذي عرقلوا ترقيته سيندمون لاحقا وسيكتشفون انه كان من الافضل لهم ان يبقى في المؤسسة العسكرية أطول وقت ممكن، لان الدور الذي سيؤديه خارجها سيتعبهم، و «هناك وجه آخر له سيخرج الى الضوء..».
ويشير المقربون من روكز الى ان أشد ما يأسف عليه هو التشويه المتعمد للحقائق من قبل البعض ممن يتعمد ان يتجاهل، في معرض تحديد معايير «المفاضلة»، سيرته العسكرية الحافلة بالكفاءة القتالية والتفوق الميداني، اللذين يُفترض ان يشكلا أداة القياس للحكم على جدارة هذا الضابط أو عدمها، «إذ إن أقدمية العمليات الحربية يجب أن تتفوق على الأقدمية المكتبية».