منذ عودة العماد ميشال عون من منفاه في فرنسا في 7 أيّار 2005، وتحقيقه نتائج جيّدة في أوّل إنتخابات نيابيّة بعد خروج لبنان من حقبة الوصاية السوريّة، سعى لتظهير ما كان يُعرف بإسم «الحالة العَونيّة» إلى نواة حزب سياسي بإسم «التيّار الوطني الحُر». لكن وعلى الرغم من مرور عشر سنوات كاملة على هذه المحاولات، فإنّ الوصول إلى مرحلة إطلاق «الحزب» بصيغته النهائيّة والواضحة وبقيادته المُحدّدة، لم يبلغ خواتمه بعد. وبعد أكثر من تأجيل وإرجاء لأسباب واعتبارات مختلفة، يبدو أنّ الأمور وصلت أخيراً إلى مرحلة الحسم، كما أظهر التعميم الداخلي الذي جرى تعميمه بتوجيهات من قبل «الجنرال» والذي يرسم خارطة طريق واضحة لسلسلة من الإستحقاقات المُتتالية التي من شأنها تحويل «الحالة العونية» إلى حزب سياسي فعلي، بعد طول إنتظار.
وبداية هذه المحطّات الحاسمة ستكون مع إصدار الأطر التطبيقيّة للنظام الداخلي في 11 تمّوز المقبل، على أن يلي ذلك توجّه حاملي البطاقات الحزبيّة وعددهم 16,000 مُنتسب فعلي، إلى صناديق الإقتراع لإنتخاب رئيس جديد في 20 أيلول، ليقوم الرئيس المُنتخب بالمباشرة فوراً بتعيين اللجان المركزيّة والداخليّة في خلال فترة زمنيّة ممنوحة له وتمتدّ من 21 أيلول إلى 10 تشرين الثاني. ومع بداية العام 2016 المقبل، وتحديداً في 17 كانون الثاني سيتم تنظيم الإنتخابات الداخليّة التي تُحدّد نتائجها مسؤولي المناطق وأعضاء المجالس. ومع إكتمال أعضاء المجلس الوطني إضافة إلى الهيئات واللجان الداخلية في خلال مهلة أسابيع قليلة، سيتم عقد المؤتمر التنظيمي العام في 12 آذار 2016، والذي يُمثّل الخطوة الأخيرة، قبل تحوّل «التيار الوطني الحرّ» إلى حزب سياسي بهيكليّة مُتكاملة وقانونيّة وبتنظيم قانوني داخلي واضح.
هذا نظرياً، أمّا فعلياً فإنّ تحوّل «التيّار» يواجه صعوبات بالجملة، منها قانوني بحت ويتمثّل في ضرورة إزالة العقبات التقنيّة التي دفعت بوزارة الداخليّة اللبنانيّة إلى ردّ النظام الداخلي الجديد للتيّار «العَونيّ»، والذي من دونه لا يُمكن إجراء الإنتخابات في أيلول، علماً أنّ «التيّار» كان سحب النظام الداخلي وأدخل عليه جملة من التعديلات قيل الكثير من أنّها صبّت في صالح طروحات الوزير جبران باسيل، إضافة إلى تسبّب هذه الخطوة بارباكات تقنيّة في دوائر تسجيل وزارة الداخليّة.
ومن بين الصعوبات ما هو سياسي داخلي يقول ناشطون عونيون معارضين لنظام الانتخابات الحالي، ويعود إلى إمتعاض واسع في صفوف القاعدة «العونيّة» لأنّه بحسب تعميم العماد عون فإنّ الإنتخابات المُقبلة المُفترضة ستنحصر برئيس «التيّار» وبنوّابه، من دون أن تشمل اللجان والهيئات الحزبيّة، الأمر الذي شَكّل مُخالفة صريحة للنظام الأساسي الذي قام عليه «التيّار الوطني الحرّ»، لجهة ضرورة شمول العمليّة الإنتخابيّة الديمقراطيّة كل المناصب والقطاعات في «الحزب»، ولجهة إنتخاب نصف أعضاء المكتب السياسي. ومن شأن مَنح الرئيس الذي سيتم إنتخابه في أيلول – بحسب تعميم «الجنرال»، سلطات واسعة تُخوّله إختيار وتعيين من يريد في المواقع القياديّة، من دون أي رأي للقاعدة «العَونيّة»، ضرب الديمقراطية التي يُفترض أن تكون مؤمّنة داخل «التيّار» قبل المُطالبة بتطبيقها على المستوى اللبناني.
وبحسب مصادر سياسيّة مُطلعة على تفاصيل التوازنات السياسيّة، وعلى طبيعة التحالفات داخل «التيار الوطني الحرّ»، فإنّ المسألة تتجاوز الشكليّات التقنيّة، وكذلك المثالية الديمقراطيّة، وتتمحور حول صراع سلطة ونفوذ عنيف في «كواليس» التيّار. وأوضحت أنّ المسألة بسيطة ومُرتبطة بسعي الوزير جبران باسيل لبسط نفوذه السياسي داخل «التيّار» بشكل كامل، بمساعدة من مجموعة من «القادة» الموالين له، وفي طليعتهم أمين عام «التيار» إيلي خوري ومنسّق عام «التيار» بيار رفّول، على سبيل المثال لا الحصر، ومُرتبطة أيضاً برضى «الجنرال» الضُمني على هذا التوجّه، لكن من دون المُجاهرة به علناً، حفاظاً على الشكل الديمقراطي النظري للعمليّة الإنتخابيّة، وحصراً للإعتراضات الداخليّة التي تُضرّ بسمعة «التيّار».
وتابعت المصادر السياسيّة نفسها أنّ نفوذ الوزير باسيل داخل «التيّار الوطني الحرّ» قوي، ومدعوم من مجموعة كبيرة من النوّاب والمسؤولين والقادة، بينما نُفوذ خصومه يتركّز خصوصاً في «القاعدة الشعبيّة» الواسعة التي تدعم «التيار»، إن المُنتسبة رسمياً إليه وتحمل بطاقات حزبيّة ويُمكنها التأثير على النتائج، أو تلك الداعمة للتيّار من الخارج والتي لا تملك سوى التأثير المعنوي. وأضافت أنّه من بين أبرز المُعارضين الداخليّين، إبن شقيق «الجنرال» نعيم عون، علماً أنّ علاقة الوزير البتروني ليست عسلاً مع بعض الأسماء المؤثّرة داخل «التيّار»، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر النائب سيمون أبي رميا والنائب إبراهيم كنعان.
وشدّدت هذه المصادر على أنّ الأوساط الشعبيّة المؤيّدة للتيار، خاصة تلك التي هي خارج الهيكليّة التنظيميّة، وبحسب أحاديث الصالونات والتعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي والتصاريح داخل غرف التجمّعات «العونيّة»، تميل بوضوح لتأييد قائد فوج المغاوير الحالي العميد شامل روكز، وترى فيه «القائد» المُناسب لخلافة العماد عون في منصب القيادة بمجرّد إحالته إلى التقاعد، في حال فشله في الوصول إلى منصب قيادة الجيش طبعاً. وهي تُفضّله بفارق شاسع على الوزير باسيل، كونه يتمتّع بصفات يفتقدها مُنافسه – بحسب هؤلاء، وتتمثّل بالهيبة والحزم والقوّة، إضافة إلى أنّه يحمل تاريخاً من النضال العسكري المُشرّف، ويستفيد خصوصاً من «كاريزما» شخصيّة مميّزة تجعله قريباً من الناس.
ولفتت المصادر السياسيّة المُطلعة على الوضع الداخلي للتيّار إلى أنّ الإنتخابات «العَونية» تُواجه صعوبات بالجملة، بحيث إذا جرى تجاوز الإشكالات التقنيّة للحصول على «الضوء الأخضر» بإجرائها من جانب «وزارة الداخليّة»، من الضروري أن تحصل أيضاً على «ضوء أخضر» داخلي للمُضيّ قُدماً بها، خاصة وأنّ مواعيدها تتزامن مع إستحقاقات حاسمة على المستوى السياسي اللبناني، ومع تطوّرات سريعة مُرتقبة، الأمر الذي قد يُطيح بمواعيد الإنتخابات مرّة جديدة. وفي حال النجاح بتنظيمها، فإنّ الإحتمالات أن تبقى القيادة بيد «الجنرال» مُرتفعة جداً، إذا ما تبيّن أنّ محاولات إيصال الوزير باسيل إلى موقع «القيادة» سُتواجه بموجة إعتراض واسعة ضمن «الحالة العَونيّة» التي هي أوسع بكثير من مُجرّد بضعة آلاف من الاشخاص يحملون بطاقات حزبيّة، وأوسع خصوصاً من المجموعة الضيّقة المُقرّبة من رجال السلطة والنفوذ المالي في «التيّار».