استدعى بثّ الشريط المصوَّر الذي يظهر عمليات تعذيب لسجناء في «رومية»، زيارة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى السجن، وخروجه عن صمته لكن من دون أن «يبقّ البحصة»، مؤكّداً أنه يعرف كيف يردّ جيداً لكنّ إفراغ مؤسسات الدولة يخدم التطرّف.
إذا كان الجميع متّفقاً على أنّ تسريب فيديو التعذيب يتعدّى بأهدافه قضية حقوق سجناء، ليصل الى تهييج الشارع السنّي وتحميته وتحريضه على قياداته ومحاولة ضربهم بعضهم ببعض، إلّا أنّ المشنوق أصرّ على التعاطي معه ضمن شقّه التقني المتعلق بمحاسبة الضباط والعناصر الامنية والمخابراتية المتورّطة، بغية تصويب عمل الأجهزة من جهة، ولإمتصاص نقمة الشارع السنّي من جهة أخرى. لكنّه لم يهمل الشقّ السياسي بل جزم أنّه «سيتكلّم في الوقت المناسب».
إكتسبت رومية شهرة واسعة من خلال ربط إسمها بمقرّ سجن الدولة اللبنانية المركزي مع كلّ خضّة أو حرب أو جريمة كبرى ترتكب على أرض الوطن، في حين كان يأمل أهلها وقاطنوها أن تستمدّ شهرتها من طبيعتها الجميلة التي تؤهّلها لأن تكون من أفضل المناطق السياحيّة في لبنان.
لا تدابيرَ إستثنائيّة تحيط بالسجن، عناصر قوى الامن الداخلي ووحدات الجيش منتشرة كعادتها، تؤمّن محيط السجن ومداخله، في وقت رُفع منسوب التأهّب والإحتياط داخل غرف السجن تحسّباً لأيّ ردّة فعل يقدم عليها السجناء الذين تتخطّى قضيتهم إرتكابهم جرائم الى تهديدهم أمن الدولة، خصوصاً أنّ معظمهم شارك في اعمال إرهاب وقتل. لكنّ زيارة المشنوق كانت للقول «إن ليس من واجب العناصر الأمنية محاكمة هؤلاء ومعاقبتهم على إنتمائهم السياسي أو الديني، فمعاملة السجين مفصولة عن الجرم المرتكب».
أراد المشنوق في الامس تطويق ذيول وتبعات الفيديو المسرّب، فاجتمع مع ضباط وآمري السجن، في حضور قائد الدرك العميد جوزف الحلو وقائد سرية سجن رومية العميد جورج الياس وقائد منطقة جبل لبنان الاقليمية العميد جهاد الحويك، ومستشار الوزير لشؤون السجون العميد منير شعبان، وذلك توازياً مع إستكمال التحقيقات التي أوقف بنتيجتها 6 عناصر، 3 مسلمين و3 مسيحيّين.
واستمع المشنوق الى السجناء الذين تعرّضوا للضرب وهم الشيخ عمر الاطرش، قُتيبة الاسعد ووائل الصمد، الذين طلبوا منه ألّا يتعرّضوا للضرب مجدّداً، لكنهم في المقابل أبلغوا إليه أنه لم يُعتدَ عليهم بعد نقلهم من المبنى «ب»، ما يدلّ على أنّ الحادثة كانت معزولة في الزمان والمكان، وليست اعتداءً مذهبياً كما أراد البعض تصويره.
وبالتزامن مع وجود المشنوق والإعلاميين حاول السجناء التحرّك، لكنّ الوضع بقي تحت السيطرة، وأكمل المشنوق جولته التي إختتمها بمؤتمر صحافي، أكد خلاله أنّ «التحقيقات مستمرة، ولن نتوقف إلّا بعد أن تصدر أحكاماً قضائية بحق جميع المرتكبين». لكنّه في المقابل شدّد على أنّ «هذا الارتكاب الذي قامت به مجموعة من العسكريين لا يجب أن ينال لحظةً لا من هيبة ولا من سمعة قوى الأمن الداخلي».
وأشار المشنوق الى أنّ الصلاحيات التي يتمتّع بها وزير الداخلية «كبيرة ولم يسبق أن استعملها تجاه أيّ ضابط أو عنصر يخالف الحقوق الإنسانية لأيّ سجين، وهذه المرة ستُستعمل بقسوة ضمن القانون»، محذّراً من أنّ «السياسيين الذين يدينون مؤسسات الدولة يخدمون التطرّف الذي لا يحميهم أيّاً يكن اتجاههم وانتماؤهم لانه سيطاول الدولة كلها».
وأضاف: «في المبنى نفسه سقط قتلى وجرحى عام 2011 ولم يصدر هذا الكلام السياسي الذي يصدر الآن ولا هذا الاستغلال السياسي. إذ بعد العملية التي رأيناها في مداهمة المبنى «ب» بعد الفوضى التي حصلت واسترداده لحضن الدولة، قال لي أحد السجناء «كنا ننتظر أن تأتي الدولة لأخذ المبنى» باعتبار انه كان خارج الدولة».
ولاحظ أنّهم «بدأوا بالجيش لسبب من الأسباب أو لخطأ من الأخطاء، والآن أتى دور قوى الأمن الداخلي وغداً لا أعرف مَن، باعتبار أنّه لم يقل أحد إنّ الجيش وقوى الامن هم قديسون. قد يقع الخطأ ولكن ما يهم أن يتابع المرء الخطأ ويُحاسَب عليه لكي لا يتكرّر. رسالتي الى الضباط كانت واضحة ورسالتي الى المسيحيين كانت واضحة وتعهداتي للضباط كانت واضحة وللمساجين ايضاً».
وعن توقيت بثّ الشريط وإمكان أن يكون هو المستهدَف منه، قال: «لستُ أنا من يهمّ، بل ما يهمّ هو الدولة ومؤسساتها وأن تستمرّ مؤسسة قوى الامن الداخلي»، مطمئِناً أهالي الموقوفين الى أنّ «هذه الاخطاء لن تتكرّر». وأكد أنه «مستعدّ للإستقالة إذا كانت الإستقالة تخدم الدولة ومحاربة التطرّف».
ورفض المشنوق اتهامَ وزير العدل أشرف ريفي، «لا أعتقد أنّ لديه فكرة ليزعزع موقعي لأنّه بذلك لا يكون يزعزع موقعي فقط بل موقع الدولة وموقع قوى الامن الداخلي الذي عمل فيها 40 عاماً».
وعن وجود معركة داخل تيار «المستقبل»، نبّه الى أنّه ليس ببساطة القول إنّ المعركة داخل البيت الواحد. هناك اشخاص في البيت ذاته يعتقدون أنّهم يجب أن يسايروا موجة شعبية يستفيدون منها ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا مشاركين فيها او متسبّبين بها»، مخففاً من «وطأة ظهور مزيد من الأشرطة»، ونافياً أن يكون «الشخص الملتحي تابعاً لجهة حزبية، بل لأحد أجهزة الدولة، وقد طوّل لحيته للتمويه».
وعما إذا كان قادراً على ضبط الشارع خصوصاً مع الدعوات الى الإحتجاج التي تخرج من المساجد، أكّد المشنوق أنّ «التجمّع مسموح طالما أنّه سلمي ويُعبّر الناس خلاله عن رأيهم سلمياً، وبالتالي لا نحتاج لضبطه، لأنه حقّ الناس، أما أيّ أمر مخالف أو يمكن أن يضرّ بأمن الدولة، فسنأخذ الاجراءات اللازمة».
إنتهت زيارة المشنوق الى رومية، لكن هل تكفي تطميناته لطمأنة العسكر الواقع بين سندان احترام حقوق المساجين ومطرقة قمعهم في حال تمرّدوا مرّة جديدة، بعدما باتوا يحسبون ألفَ حساب قبل تنفيذ أيّ مهمة موكلة إليهم.