IMLebanon

%47 من السجناء “موقوفون” والأكل “خبز مبلل بالماء”

 

المطلوب تحصين السجناء من “كورونا” وحل مشكلة الإكتظاظ

وجد الجوع طريقه إلى سجن رومية، الذي حصرت إدارته مسألة ادخال الأكل للمساجين بسوبرماركت خاصة، حصرية، يُطلقون عليها إسم “الحانوت”، بحيث تحتكر المواد الغذائية وغيرها وترفع أسعارها بشكل يتعدى المقبول من دون حسيب أو رقيب. وبنظرة عاجلة على القوانين، يُذكر أنه لا يُسمح للأهالي بإدخال أكثر من 750 ألف ليرة في جعبتهم، والتي بالكاد تشتري مواد تكفي 4 أيام، غير أن هذه القاعدة لا تسري بالضرورة الحتمية على الجميع و”الواسطة شغالة”.

 

كلفة أكل أي سجين، لوجبات ثلاث بحيث لا تتدهور صحته غذائياً، 3 ملايين ليرة لبنانية على الأقل، ما كلفته مليون ونصف ليرة لبنانية لنفس المواد خارج السجن، ناهيك عما يمكن أن يوفره إن سُمح بإدخال “طبخات الأمهات” وغيرها. إلا أن لا أحد من الأهالي يمكنه دفع مبالغ طائلة وعليه تعتمد الغالبية على أكل أطعمة غير صحية كالشيبس والشوكولا والمرتديلا والخبز والمشروبات الغازية والدخان. كما لا يحدد الأهالي “الماركات” أو نوع البضاعة التي سيختارونها لذويهم، ويتم إلزامهم بنوعية معينة تكون في الغالب “الأسوأ” أو الأقل جودة، إلا أنها في نفس الوقت أغلى من أهم نوعية في الخارج. وبشكل مبسّط، لو تعاقد السجين مع أفخر المطاعم، ليرسل له وجبات أكل إلى السجن بشكل يومي لكانت الكلفة أقل مما يصله من مواد لا تسمن ولا تغني من جوع… أما الغالبية اليوم، فجوعى!

كل السجن “للكبّ”

 

تأسف رائدة الصلح، التي تهتم بأمور السجناء لـ”نداء الوطن” لسماعها شكاوى النزلاء من الأكل الذي يُقدم لهم وتضيف: “الله يشبعنا النعمة، للكبّ”، تقشف في اللحوم والخضار من نوعية سيئة والأرز غير جيد. وحذرت الصلح من أن الوضع يتفاقم مع مرور الأيام وذكرت كيف أن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي قد أعلنا لبنان “نقطة ساخنة للجوع”، كتحذيرات مبكرة بشأن انعدام الأمن الغذائي الحاد، فكيف في المؤسسات العقابية حيث يتواجد أكثر الفئات هشاشة غذائياً”. وأضافت: “ليتهم يصرفون الميزانيات المخصصة للأكل على شراء مواد التنظيف والتعقيم والأدوية، ففي الآونة الأخيرة اضطررت إلى جمع مساعدات لشراء الأدوية لأكثر من مئة سجين “روشاتات على مد عينك والنظر” كل شيء مقطوع، والنظافة على السجين وليس على إدارة السجن. مكان موبوء بكل ما للكلمة من معنى”.

 

ويقول السجين أبو محمود إن الاكتظاظ هو المشكلة الأكبر، وإنه حتى لو استطاع أهله شراء حاجياته، لن يمكنه أكلها وحيداً، ويتابع: “في السابق كنا نحصل في الوجبة الصباحية على لبنة وبندورة وخيار وموز وزيتون وفول وبيض مسلوق وبطاطا مسلوقة، ووجبتا الغداء والعشاء جيدة ناهيك عن طبخات أمهاتنا أو زوجاتنا. اليوم، من تبقى لديه كيس زعتر أو دبس خروب من السابق “ملك”. منذ حوالى السنة باتت “الترويقة” ملعقتين من “الحلاوة” وملعقة “سكر” وكوباً من الشاي ونصف تفاحة. كما تم استبدال الألبان بالمربى والمصاب بداء السكري “يصوم”. أما “وجبة الغداء” فمجدرة بنية اللون عبارة عن “جبلة باطون” ثلاث مرات أسبوعياً، و”برغل مسلوق بالماء” مرة بالأسبوع وأرز بالشعيرية مرة بالأسبوع، أما في اليومين الباقيين والمفضلين ففاصوليا أو بازيلا بدون لحمة. من يحصل منا على رغيفي خبز “بطل” كما أنه يحق لنا بليمونة حامضة واحدة أسبوعياً إن حالفنا الحظ. كما وصلت لـ”نداء الوطن” رسائل متعددة من موقوفين في سجن جب جنين تفيد بأن الأكل هو عبارة عن 3 أرغفة خبز لكل موقوف مع كوب من الماء، فمن لا يستطيع شراء أكل “يبلل الخبز” ويسكت جوعه!

لجنة العفو “كفى تخديراً”

 

ناشد مؤسس لجنة العفو العام ورئيس جمعية أهالي السجناء دمر المقداد عبر تصريح خاص لـ”نداء الوطن” كل المسؤولين “إسكات البطون، والرأفة بالمساجين للحيلولة دون المزيد من التصعيد وغضب الأهالي في ظل تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار وعدم قدرتهم على الإستمرار”.

 

ووصف المقداد الوضع في السجون بأنه كارثي مؤكداً أن نقص الصبر من قبل انطلق من مبدأ الوعود بحل أزمة اكتظاظ السجون، وإقرار عفو خاص أو عام، إلا أنه تبين لنا أنها كانت جميعها تصريحات تخديرية على قاعدة “ما خلونا” وعدم التوافق السياسي المعهود. لذا كان لا بد لنا من دعوة الأهالي للاعتصام غداً أمام السجون دعماً لمصلحة اي “إنسان” مسجون، لأنه يتم التعامل مع المساجين كما لو أنهم “مش بشر” بخاصة منهم من ينتظر حتى اليوم محاكمته.

 

وعبر المقداد عن أمله في أن يتمكنوا، من خلال اعتصامهم، من الضغط على الأطراف المتنازعة في البلاد للتوصل إلى حل جذري ودائم، وأكد أن الوضع حرج وخصوصاً في ما يتعلق بالمأكل والمشرب ومنع الأهالي من إدخال المأكولات بذريعة أنهم لا يتمكنون من ضبط تهريب بعض المواد في الأكل بالرغم من التفتيش. ويختم: “من أين أبدأ؟ يُخلط المساجين بلا تصنيف، المحكوم مع الموقوف، المثبتة إدانته مع البريء الذي ينتظر مقاضاته، وتنعدم المساحات الخاصة والآمنة والدنيا الواجب تخصيصها لكل سجين وما من عناية صحية مناسبة، ولا صحة ولا نظافة”.

 

وشدد رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى في حديثه لـ”نداء الوطن على أن يتمّ تحصين جميع المساجين من “كورونا”، في القريب العاجل كي يُسمح بأقرب وقت ممكن بكسر القانون المستحدث الذي يمنع الأهالي من إرسال أكل لذويهم من السجناء. أما الحل الثاني فيكون بتخفيف الإكتظاظ في السجون وأنه ستتم مناقشة هذا البند في الجلسات المقبلة. كما أكد أن وفداً من لجنة حقوق الإنسان النيابية سيزور سجن رومية خلال الأسبوع المقبل للمراقبة والتحقيق من دون تحديد اليوم كي لا يتم “التحضير للزيارة”، ومشدداً على أنه لن يقبل أي اقتطاع من ميزانية أكلهم. وأضاف: “تواصلت مع وزير الداخلية ومع رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب الدكتور فادي جرجس، وأكدا لي أنهما بصدد متابعة الملف”.

 

مجموعة من العوامل اجتمعت لتجعل من ملف السجون “قنبلة موقوتة”. بهذه الكلمات يشرح النائب والقاضي جورج عقيص الوضع لـ”نداء الوطن”، مؤكداً أنه سيُتابع بشكلٍ شخصي مناشدات الأهالي، وأمور المأكل والمشرب، للوقوف على مُلابساتها، والعمل على اتخاذ كافة الإجراءات المُناسبة التي تتفق والمواثيق الدولية، وبالأخص ما يتعرض له الكثير من السجناء من إهمالٍ طبي أو تناقص في كمية الوجبات الغذائية التي تُقدم لنزلاء السجون في لبنان عامة و”رومية” على وجه الخصوص. فكلما تمّ إطعام السجناء بثمن بخس، زادت الحاجة إلى رفع مستوى الرقابة وما يُشكله من حالة طارئة تتطلب المزيد من اتخاذ التدابير اللازمة. وتابع عقيص: “هناك اليوم الكثير من المراجعات والتحليلات التي تحاول تفكيك مسببات ما يحصل في السجون، إلا أن أهم مشاكل المؤسسات السجنية في لبنان هي تفاقم الاكتظاظ وعدم الإسراع بالمحاكمات وغياب النشاطات الإصلاحية والإجتماعية والتأهيلية”.

 

الواقع بالأرقام والمعطيات

 

بقليل من الإهتمام السياسي، تنتشر “ثقافة التوقيف” لدى عدد من النيابات العامة وقضاة التحقيق، والمزج بين مفهومي التوقيف الإحتياطي والعقاب، عدم التقيّد بمبررات التوقيف المنصوص عنها قانوناً، وعدم تعليل قرارات التوقيف. ومع انعدام وجود مكننة المحاكم، يغيب الرابط الآلي بينها وبين السجون والنظارات والمخافر إذ تقتصر سائر الإجراءات على المعاملات الورقية البدائية. أما الأقلام والأجهزة الإدارية التابعة للمحاكم الجزائية فأقل ما يمكن وصفها به هو أن حالتها “تعبانة”، ضعيفة لوجستياً، لا بنية تحتية جيدة ولا تدريب لكوادرها ولا مناقبية أو محاسبة على التقصير ناهيك عن اللامبالاة في الأداء. وتشير أرقام مديريّة السّجون المُستقاة من برنامج إدارة السّجون الممكنن “باسم”، إلى كارثة اكتظاظ قد تنطوي على شكل من “الإيذاء غير المباشر”. فبعد مراجعة احصائيات ذات طابع سرّي، تتعلّق بالسّجناء المحتجزين داخل السّجون اللّبنانيّة (عددها 25) ونظارات قصور العدل (عددها 10)، يتبيّن أن النسبة المئوية للسجناء الموقوفين إحتياطياً أي الذين لا يزالون قيد المحاكمة حالياً هو 47% من مجموع السجناء في السجون.

 

 

وهو رقم كبير بالمقارنة مع المعيار المعتمد عالمياً والذي يجب ألا يتخطى عدد الموقوفين ثلث مجموع السجناء ككل 33%. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة الموقوفين قد انخفضت من 51% في خلال العام 2020 و57% في العام 2011 وسجلت أعلاها سنة 2009 إذ كانت 68%. إلا أن هذا التراجع الجيد في النسب لا بد ان يزداد، وأن يتم اقرار حلول جديدة كي تنخفض النسبة إلى ما دون الثلث، مع الإشارة إلى أن 40% من موقوفي السجون يتم توقيفهم أمام المراجع القضائية في محافظة جبل لبنان، وفي هذا المؤشر ما يوجب على لجنة حقوق الإنسان النيابية التوقف عنده في ايجاد الحلول. في السياق، توضح ارقام “مدّة البقاء في السجن بالنسبة للموقوفين عن العام 2020” في معيارها المتوسط كتوقيف احتياطي (قائم بناءً لمذكرة توقيف صادرة عن القضاء وليس الإحترازي الذي يتمّ بناءً لإشارة من النيابة العامة)، أن النسبة الأعلى، نحو 30%، تعود للموقوفين الذين يمكثون في السجن ما بين ستة أشهر إلى سنة و12% منهم فقط يمكثون في السجن لمدّة تقلّ عن 15 يوماً. والملفت أن من يدخل السجن مرة، من المرجح أن يعود إليه، مع غياب نظام الإصلاح بحيث أن نسبة أقلّ من 2% من السجناء الرجال الراشدين تستفيد من أيّ نوع من أنواع إعادة التأهيل. أما الإكتظاظ فيشكل ما يفوق الـ200% من الإستيعاب الإداري والذي يؤدي بدوره إلى ايجاد ظروف إحتجاز لا تتوافق مع أي من “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” الصادرة عن الأمم المتحدة.