IMLebanon

سجن رومية والصحوات الجدد

فيما كانت وزارة الداخلية المحسوبة على تيار «المستقبل» تستكمل الخطة الأمنية من طرفٍ واحد وفي اتجاهٍ واحد، وبقرارٍ شجاع مغطى من الرئيس سعد الحريري، كانت وسائلُ إعلام «حزب الله» تُغدق الثناءَ على القرار الجريء، وعلى الحوار الذي أدّى الى فرضِ النظام في سجن رومية وتفكيك الحال المستعصية التي أنشأها الموقوفون الإسلاميون.

تكفي لرصد المشهد المتحوّل في أدبيات «حزب الله» في التعامل مع هذا الحدث، مشاهدة حلقة برنامج «دي أن اي» للزميل نديم قطيش، ففيها بعضٌ من تناقضات، تصلح لوصف ما تغيّر وما لن يتغيَّر من سلوك الحزب وحلفائه.

عندما يتخذ تيار «المستقبل» القرار الصعب بتنفيذ الخطة الأمنية، من طرف واحد، وبضبضبة بؤر العنف في بيئة واحدة، تنهال عليه قصائد الثناء. أما عندما يتعلق الأمر بالكلام عن «سرايا المقاومة» لا عن سلاحها، فإنّ ردّ «حزب الله» يكون فوراً: نطمح لتعميم السرايا على جميع اللبنانيين.

وعندما يتكلم وزير الداخلية نهاد المشنوق عن وقف تنفيذ الخطة الأمنية، على أعتاب مناطق «حزب الله» المَحمِية، يتمّ الردّ عليه باتهامه بالتصعيد، ويتمّ التلويح بتفجير الحكومة، فيُضطر الى التراجع. وعندما يقوم «المستقبل» بالتغطية الكاملة لمهمة الجيش في طرابلس وعرسال، ينال مزيداً من الثناء، لكن عندما يطرح التيار في الحوار قضية المراكز الحزبية في بيروت، والشعارات الاستفزازية، والعناصر غير المنضبطة، لا يتمّ الرد عليه إلّا بالتسويف، وبرفع ثمن كلّ «تنازل» وبتحويل الحوار مجرّدَ طلب هدنة إعلامية، وإصراراً على التقاط الصورة.

منذ بدأت سياسة التقارب الواقعي تحت عنوان التبريد المذهبي، سُجِلت ثلاث خطوات متقدِمة: الاولى تمثلت بتأليف الحكومة، والثانية كانت توافقاً على التمديد للمجلس النيابي، والثالثة الجلوس الى طاولة الحوار.

هذه الخطوات الثلاث كانت في سياقٍ واحد، أراد منه تيار «المستقبل»، تجنّبَ الاصطدام المذهبي، وأراده الحزب طريقاً تصل الى تحويل «المستقبل» الى صحواتٍ لبنانية، مهمّتها إزالة آثار ونتائج ما يقوم به في سوريا، من دون أن يكون له القدرة على مجرّد النقاش في الأسباب التي أدّت الى هذا الاختراق في الجسم السنّي، من جماعات مثل «النصرة» و«داعش».

وإذا كان أحدٌ لم ينسَ بعد كيف ذابت الصحوات العراقية، وكيف تصدَّرت «داعش» المشهد، بفعل سياسة إيران الممثَلة بحكومة نوري المالكي، وبفعل ما حصل في سوريا على يد النظام مدعوماً من إيران، فإنّ أحداً أيضاً لن يصدّق، أنّ التيار الاكثر اعتدالاً في العالم العربي وهو «المستقبل»، قادرٌ على الصمود الى ما لا نهاية، على ايقاع الحرب المذهبية في سوريا، التي يشارك «حزب الله» في صنعها وتأجيجها واستيرادها الى لبنان، وسيكون من الصعب الاستمرار في استيعاب نتائج هذه الحرب، حيث يحاول التطرّف أن يردَّ على التطرّف، وأن يقضم من الاعتدال، وما بدايات تغلغل «داعش» و«النصرة» في قلوب بعض السنّة إلّا البداية.

أمام هذا المشهد الذي يوحي بكثير من التوقعات السيّئة، هل يستمرّ المستقبل بحواره مع «حزب الله»، على قاعدة التسليم بالمحرّمات الجديدة، وأولها قتاله في سوريا، وثانيها سلاحه المنتشر على شكل سرايا تمارس الترهيب، ومراكز حزبية داخل العاصمة، تمارس كلّ أنواع الاستفزاز، ومطلوبون باغتيال الرئيس رفيق الحريري، يسبغ عليهم الحزب صفة القديسين؟

الواضح أنّ استمرارَ الأمر الواقع هذا، سيؤدّي الى مزيد من إضعاف قوى الاعتدال. فمِن دون وضع الأصبع على الجرح الأساس، لن تكون مداواة النتائج سوى مسلسل من محاولات استيعاب لا تنتهي، إلّا بعسكرةٍ مذهبية، لا مكانَ فيها إلّا للُغة العنف والإرهاب والدم.