اذا كان مجرد اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية يؤكد شرعية الدولة وشكل امتحاناً ناجحاً للمؤسسات الامنية والعسكرية، فإن مجريات الجولة الاولى منها، التي شملت الاحد الماضي بيروت والبقاع، كشفت اوراقاً منها ما كان معروفاً كزعامة سعد الحريري ومنها ما كان مستوراً كحجم «تسونامي» تحالف ميشال عون وسمير جعجع .
فقد اظهرت توازنات الاقتراع في بيروت ان الحريري هو الزعيم الوحيد الذي يمون على قاعدته. فرغم كل التسريبات السابقة عن تراجع شعبيته، إن بسبب الغياب الجسدي لسنوات او بسبب القصور المالي، ضمنت له قاعدته فوز كامل اعضاء اللائحة التي يدعمها بفائض شمل اعضاءها المسيحيين، الذين تفردت احزابهم باختيارهم من دون ان تتكبد عناء التحشيد لهم.
والسؤال «هل ينجح الحريري دوماً في لمّ الشمل؟» فاحداث الاحد خصوصاً في بيروت فتحت الباب واسعاً امام اسئلة خطيرة من مثل ماذا لو تساءل المقترعون السنة عن احقية ان تتمثل المشاركة المسيحية الضئيلة بـ12 مقعداً، خصوصا وان لائحة لم ترَ عملياً النور كانت تريد تقسسيم المجلس البلدي وفق التوزيع الطائفي للعاصمة، بحيث تكلمت عن 13 للسنة 9 للمسيحيين ودرزي واحد وشيعي واحد؟ وماذا اذا توسع طرح تقسيم بيروت في الانتخابات البلدية الى دوائر ثلاث على الاقل كما في الانتخابات النيابية؟
فالاقتراع المسيحي في دائرة بيروت الاولى لم تتجاوز نسبته5 او 6 في المئة، وصبت بنحو غالبية ثلثيها لمصلحة لائحة «بيروت مدينتي»، اما بسبب خروق قيادية للتعهد بدعم «لائحة البيارتة» او بسبب انفصام بين القرارات المركزية للاحزاب المسيحية وقواعدها. قد يكون الامر مفهوماً بعض الشيء بالنسبة للعونيين الذين وجدوا انفسهم فجأة في تحالف مع تيار طالما ناصبوه العداء ويحملونه اساساً مسؤولية عدم وصول زعيمهم الى سدة الرئاسة الاولى، لكن ماذا بالنسبة للقواتيين، الشركاء الاصيلين في قوى 14 آذار، حلفاء تيار «المستقبل» والذين يؤكدون معه تمسكهما بهذا الحلف رغم خلافات خصوصاً في الملف الرئاسي؟
اما نتائج انتخابات زحلة، وهذه الانتخابات هي اول جولة عملية لتحالفهما بعد «اعلان النوايا»، فقد كرست فوزا على حافة الهاوية بما يكشف زور الادعاء بانهما يمثلان 86 في المئة من الرأي العام المسيحي. فرغم قرع الاجراس في الكنائس وحض جعجع وعون بعد ظهر اليوم الانتخابي انصارهما على الاقتراع لم تتعدَ نسبة اصواتهم الـ40 قي المئة، بما يعني ان اخصامهم سواء في لائحة «الكتلة الشعبية« او لائحة النائب نقولا فتوش حازوا مجتمعين 60 في المئة. ويقول ناشط زحلاوي سيادي ماذا لو تضافرت اللائحتان او لم يكن خيار رئيس لائحتهم اسعد زغيب بالذات برصيده الانمائي المعروف من ابناء المدينة خلال ممارسته السابقة لهذا المنصب لمدة 12 عاما؟
وتثبت هذه النتائج، سواء في بيروت او زحلة، زور مقولة رئيس الجمهورية «القوي» الذي يجب ان ينحصر اختياره بهما، ويقع حاليا على عون.
ومعضلة حجم التمثيل لا تطاول حصراً الاحزاب المسيحية الرئيسية بل طاولت كذلك «حزب الله» الذي سبق له ان اعتاد «انتصارات إلهية» لا ينافسه فيها احد في بيئته الحاضنة. فكذلك اتى فوزه بشبه الاكثرية المطلقة في البقاع خصوصاً في بعلبك حيث نالت لائحة العائلات التي ترأسها رئيس البلدية الاسبق غالب ياغي نحو 47 في المئة من الاصوات، او في بريتال حيث لم يتعدَ الفارق مع اللائحة التي دعمها امينه العام الاسبق صبحي الطفيلي بضع مئات من الاصوات؟
ويعزو ناشط شيعي هذا «التجاسر» المستجد للعائلات على مواجهة الحزب الى استيائهم خصوصاً من انخراطه في الحرب في سوريا ومن الضحايا التي تستقبلها مداورة قرى المنطقة.