بعد هول الجرائم المرتكبة من أهل الظلام، نستطلع وضع القوانين الدولية التي تُصنّف الإرهاب كتهديد للأمن والسلام العالميّين. ونرى بوضوح كلّي أنّ الحملات المتعدّدة الجنسيات التي تضرب الإرهابيين هنا وهناك لن تكون قادرة على حسم الموقف بالسرعة المرجوّة والحسم المطلوب، إن لم تقترن بحركة عابرة للحدود تتبلور في شرعة عالمية تُجرّم الإرهاب بعد وضع تحديد قانوني تتبنّاه شعوب العالم استكمالاً لشرعة الأمم المتحدة القائلة بحقّ الشعوب وليس الدول فحسب.
والإرهاب منوّع الأشكال والعناوين، بين مَن يتغذّى بالدين والطائفية وبين مَن يَجد ملاذاً ضمن الصراعات الاقتصادية والطبقية والكيانية. ولكنّ المفهوم واحد: قتل الأبرياء العزّل من دون رحمة وشغف بالدماء والدموع، وجعلهم يشكّلون رسائل مباشرة وغير مباشرة. وهذا يشير الى أنّ أهل الإرهاب ليسوا من دم ولحم بل من طينة أخرى وتشكيلة غير بشرية.
ولكنّ هذه الجولات الإرهابية الخائبة لن توقف مسار العدالة، وإن ترنّح بعض معالمها على الصعد الكونية نتيجة الاصطدام بين السياسة الدولية العتيقة ومفاهيم القوانين الدولية الحديثة والتي بدأت ترسم حالاً عالمية جديدة وإن غير مكتملة العناصر والشروط والفاعلية والحسم إذا جاز التعبير.
من هنا، فإنّ حملات مكافحة الإرهاب ستكون بدورها خائبة، وإن قوية وهادفة إن لم تعالج اسباب بعض «الإرهاب»، أيْ البيئات الحاضنة التي وصلت الى هنا بحكم الفقر والتهميش والظلم الأجتماعي. وهذا لا يعني مطلقاً أنّ للإرهاب أسباباً تُبرّره بل إنّه يمكن نزع بعض مَن يستخدمهم الإرهاب كسلعة بحكم مقتضيات العيش والاستشفاء وسواها من مسائل الحياة الأساسية.
جولات الإرهاب خائبة مهما قتلت وأبدَعت بقطع الرؤوس وذلّ الإنسان، وجولات مكافحة الإرهاب لن تكون حاسمة إن لم تقترن بتفعيل دَولي وعابر للحدود لمنظومة قانونية وتنظيمية تجعل الإرهاب كجريمة، حالاً عالمية تُهدّد الكيانات والشعوب بغضّ النظر عن الموقف السياسي أو المصلحة الاقتصادية لأنّ الإرهاب الذي يدكّ تراثاً إنسانياً ويُجبر مئات الآلاف على الهروب من أرضهم التاريخية لا يواجه باستقبال اللاجئين بل بطرد الإرهابيين من أراضٍ اغتصبوها وأملاك تسلّطوا عليها، فيعود أهل الأرض الى أرضهم ولا يصبح اللجوء آفة لن تفيد الوافدين وستهزّ البلاد المضيفة وهي تهزّها.
والأهم يبقى أنّ مكافحة الإرهاب كضرورة عالمية لا تؤدّي مبتغاها إن لم تقترن باستراتيجية تعمل على تعميق الديموقراطية والمساواة بمختلف وجوهها.