تجارة النفايات تنشط مجدداً والبيع “عالمكشوف” وبالكيلو…
أرخت الأزمة الاقتصادية بثقلها على عاشوراء، غابت المضافات التي تقدم الطعام على حبّ الحسين الا ما ندر، وحلت مكانها عربات الفول التي تحولت مصيدة للمواطن بحيث سجل صحن الفول الصغير 35 الف ليرة، وتخطى الكبير الـ50 الف ليرة، ما حوّل مهنة «الفوّال» مقصد الباحثين عن فرصة عمل ولو موقتة، تدر الكثير من الاموال. يتحلق الاطفال حول عربة الفول، تتسابق الأيدي لالتقاط صحن فول وذرة، بدا المشهد اشبه بالسباق نحو الوصول الى الخلاص، يقطع ابو علي الحامض، كمن يقطع فواتير الاشتراك الكاوية التي تخطت العقل والمنطق، متجاوزة الـ5 ملايين ليرة، يرش الكمون والملح على حبات الفول، كمن يرش حياته بنكهات اصطناعية تمده بجرعة صبر اضافية.
وحدها روائح النفايات تعكر صفو المشهد، دخان كثيف غطى قرى النبطية جراء احتراق احد مكبات الكفور «التجارية»، روائح فتحت السجال على مصراعيه من يحرق المكبات ومن المستفيد؟ وهل عادت تجارة النفايات من جديد بعدما عجزت معظم البلديات عن جمعها؟
بدا قاسياً مشهد حرق النفايات في الكفور، دخان ابيض، روائح سامة سحب غطت القرى، ومع ذلك لم يتحرك احد. اكثر من يومين والمكب يحترق، ولا من يتحرك، صرخات الناس لم تصل اصداؤها الى المعنيين، فالمكب المشتعل يقع تحت وصاية «تجار الازمة» ممن يهربون النفايات بالتواطؤ مع بلديات عدة وكله «بحقو» فالنفايات اليوم تهرب بالكيلو، وبالجملة تبلغ كلفة رفعها من البلدة الـ65 مليون ليرة شهريا، فيما يعمد تاجر النفايات لعقد صفقة مع اصحاب تلك المكبات والتي عادة ما تكون تحت وصاية البلديات لقاء نسبة معينة، وهكذا تواصل ازمة النفايات تفاقمها من دون رادع. اما معمل الفرز فربما دخل في مرحلة الصدأ «لا احد يرغب بحل الازمة طالما الازمة مربحة» على ما يقول مصدر رفيع، جازماً أن الازمة بعهدة الاحزاب و»هني ما بدن يحلوها»، وكما يقول «حدا بيترك منجم ذهب؟ فاذا اشتغل المعمل الربح يصبح لجهة واحدة، لذا التعطيل هو الاهم. اعاد حريق مكب النفايات في وادي الكفور ازمة النفايات والنكايات الحزبية الى الواجهة، وعادت معه تجارة النفايات التي باتت «عالمكشوف» فالنفايات المشتعلة «مهربة» والحريق بحسب المصادر «لاخفاء الجريمة وافساح المجال امام مزيد من التهريب» ولكن ماذا عن الضرر البيئي والصحي؟ ماذا عن صحة الناس التي بدأت تشكو من الربو والحساسية وترفع نسبة السرطان في صفوفها؟ لا جواب.
روائح النفايات السامة لم تحرك المعنيين رغم صرخات الاهالي المتواصلة، لم تدفع بالبلديات لاخماد النيران، فالحريق آخر انشغالاتهم، حتى تحرك عدد من شبان حبوش للمطالبة باخماده لوقف تسرب المواد السامة المنبعثة منه لم يؤت نتائجه، حتى مناشدتهم وزير البيئة بالتدخل لم تلق آذانا صاغية، ما دفعهم للقيام بالمهمة وردم المكب المشتعل، ولكن من يضمن عدم اشتعاله مجدداً؟ يقول عماد «لا احد، في كل فترة يشتعل، او كلما يمتلئ يحرق عمداً، ونحن تحترق صحتنا، طالما لا سلطة رقابة ولا بلدية فاعلة».
وحدهم اهالي حبوش تحركوا، قاموا بردم المكب بالتراب كي تخمد نيرانه، على حد قول عباس «حياتنا باتت في خطر، الروائح السامة باتت تسبب لنا الحساسية والامراض، وما حدا مهتم»، وبحسب علي «فإن ما يحصل في وادي الكفور مجزرة بيئية خطيرة جداً، تداعياتها ستمتد على صحة الناس». يدرك علي ان المكب يحوي نفايات مهربة، نتيجة صفقات «الزبالة»، لافتاً الى ان رؤساء البلديات يتقاضون الاموال في هذه التجارة، ونحن الشعب نموت من سمومها». في حين لفت قاسم الذي شارك في عملية ردم المكب الى ان الحريق مفتعل لان التجار يتعمدون حرقه ليتمكنوا من رمي المزيد من النفايات».
في منطقة النبطية اكثر من مكب تهرب اليه النفايات، وفق صفقة جرى ابرامها بين النافذين وتجار النفايات، الذين عادة ما يعقدون «deal» مع البلديات العاجزة على ادارة ازمتها بأربعة اضعاف السعر، بحيث تجاوز رفع النفايات شهريا الـ65 مليون ليرة
على مر السنوات لم تخضع النفايات للمعالجة، دخلت في مناكفات بين الحزب والحركة من يدير معمل الفرز ومن يضع يده على شركة الجمع وبينهما طار الحل وغرقت القرى بالنفايات. الكل يدرك عجز البلديات عن ادارة هذه الازمة، حتى الاتحاد نفسه سحب يده من الملف وكأن الازمة لا تعنيه، رغم ان له اليد الطولى، ووفق المعلومات فإنه تنصل من مسؤولياته وتركها للاحزاب، فكلا الطرفين اي الحزب والحركة يتنافسان على الازمة، التي عادة ما يستفيد منها تجار النفايات، وما اكثرهم.
مر اكثر من ثلاث سنوات على فسخ عقد الشركة المشغلة لجمع النفايات من قبل اتحاد البلديات، حتى الساعة لم يبرم اي اتفاق جديد بسبب «فرق العملة» حتى الاحزاب لم تتنازل لمعالجة الازمة التي تخضع لمد وجزر، وبحسب مصادر مطلعة على الملف «ما بدن يحلوها هيك اربح»، واكثر يقول «ما في قرار بالمعالجة، وهناك تواطؤ مع رؤساء بلديات في هذا الملف، تحديدا البلديات التي تفتح مكباتها لتجار النفايات لقاء بدلات مالية مرتفعة».
رائحة الفساد تفوح من داخل ملف النفايات، لا احد من الاحزاب يرغب في حله، طالما ان النفايات بترول مربح، والسؤال اين دور وزارة البيئة في ايجاد مخرج لهذا الملف؟