أبحث منذ فترة عن موقف جيد يطلقه فخامة الرئيس لأمتدحه. فالرئيس الذي يستفز اللبنانيين بترويجه لجبران باسيل وبمواقفه المتماهية مع “حزب الله” خصوصاً بموضوع “استراتيجية الدفاع” واستسلامه للثلاثية التي ندفع بسببها الأثمان، فاجأنا ليلة “الفاتح” من أيلول بخطاب يستذكر اعلان “دولة لبنان الكبير” في الذكرى المئوية لحدثٍ مؤسسٍ للكيان.
والخطاب رئاسي بكل المعاني. وهو يحض على الايمان بلبنان غير انه على ما يبدو استفز “بني عثمان” فانتفضت وزارة الخارجية التركية مستنكرةً ما جاء فيه من كلام معتبرة انّه “هذيان”.
والحقيقة ان الرئيس كان يسرد التاريخ متحدثاً عن الاستعمار العثماني وما خلفه من ظلم وظلام. وهي وقائع غنية عن الاثبات. وما استخدامه تعبير “ارهاب دولة” إلا توصيف ينطبق على الحال.
ولا يهم إن أراد الرئيس “زكزكة” الاتراك إكراماً لحلفائه الطاشناق ومن ورائهم ايران وصديقه بشار، أو انه لم يكن راضياً عن لقائه وزير الخارجية التركي قبل ايام لجهة اشكالية حقوق الغاز مع قبرص، او انه تحدث بتجرّد علمي، فما يعنينا هو تلك الحساسية المفرطة لأحفاد المستعمرين. فبدل أن يلوذوا بالصمت احتراماً للتاريخ والبلد الذي عانى جورَهم اربعة قرون، فضلوا الوقاحة والاستنكار الرسمي، وكأنّهم لم يحكموا هذه البلاد بالحديد والنار ولم يأخذوا أجدادنا للسخرة ولا الى “سفر برلك”، ولم يشنقوا الأحرار، ولا توفي بسبب تجويعهم ثلث سكان جبل لبنان.
يحلو لمن يريدون تجميل سيرة الامبراطورية العثمانية الحديث عن انشائها السكك الحديد والمرفأ والسراي وما شابه من بنى أو عمران أو عن ذهاب بعض اللبنانيين لدرس الحقوق والطب في اسطنبول، كما لو ان ما أقامه الفرنسيون من بنى تحتية ومؤسسات في الجزائر وتخرج جزائريين من جامعات باريس في عز الاستعمار يغفر جريمة “المليون شهيد”. ويخشى الحريصون على شعور الأتراك تأثر العلاقات المميزة القائمة بين البلدين، وهي حتماً لمصلحة تركيا سواء بإغراقها أسواقنا بمنتجاتها الرخيصة أم باسترخاص اللبنانيين السفر اليها ودفعهم الدولارات هناك.
ليس هنا بيت القصيد. فمن غير المفيد اطلاقاً الاساءة الى العلاقات الحالية، لكن ليس على حساب الحقيقة التاريخية، ورمزها عيد شهداء “6 أيار” الذين علقهم “جمال باشا السفاح” في ساحة الشهداء، وعنوانها “اعلان لبنان الكبير” الذي انتزع الكيان بعد هزيمة العثمانيين في الحرب الأولى وتقاسم الاوروبيين تركة “الرجل المريض”.
ينكر علينا الاتراك حق التذكر، ربما لأنهم يعتبرون ما اقترفه اسلافهم “الأوباش” مجرد حادثة عابرة في تاريخ خلافتهم، فالمجزرة الأرمنية التي قتلوا خلالها مليوناً ونصف مليون أرمني هي أيضاً بالنسبة اليهم مجرّد “كذبة” تاريخية.
هذه المرّة تحية لك فخامة الرئيس… والى اللقاء في ومضاتٍ من هذه القماشة.