Site icon IMLebanon

مرحبا عمّ

 

 

تعلّمنا، ونحن صِغار، إحترام الأكبر سنّاً، قريباً كان أو غريباً، أما قواعد الإحترام فتبدأ بالإمتناع عن “السعدنة” في البيت بوجود ضيف من جيل الوالد والتحدّث أمامه بصوت مخفوض ومخاطبته بأقصى درجات التهذيب.

 

وفي زياراتنا النادرة لأصدقاء العائلة، كنا نجلس بوداعة ليست فينا، ومتى حان موعد الضيافة، واقتربت صينية الشوكولا من عيوننا الجشعة ندّعي التعفف زوراً على الرغم من إلحاح الـ “تانت” علينا بتناول حبتين. فنكتفي بحبة إحتراماً لذاتنا وإظهاراً لتربيتنا. وكم كان يطرب أهلنا لدى سماعهم هذه الجملة الأثيرية: “اسم الله على هالولاد شو مهذبين”

 

لم نسقط الكلفة يوماً بيننا وبين افراد العيلة والغرباء. الجدة تاتا. والجدّ جدّو. والعمة عمتو. والعم عمّو. وكل غريب كنا نناديه عم أو عمّو نحن من غرفنا غرفاً من التربية الحسنة. وأول عم أسود أثّر بي هو “العم توم” خادم السيدة شلبي الأسود في رواية الكاتبة الأميركية هيريت بيتشر ستو،”كوخ العم توم” وهو من الكتب الأكثر مبيعاً في القرن التاسع عشر. أنا قرأته في القرن العشرين معرّباً بأسلوب رديء.

 

اليوم أجدني من مؤيدي نسف قواعد التهذيب من أساسها. على سبيل المثال، قبل أربعين عاماً أو خمسين، كان الشاب اليافع يتوجه إلى اي سيدة من جيل والدته بـ “يا خالتي” بكسر الخاء. اليوم “خالتي” تصادر تعويض زوجها على الـ “لولار” لتصرفه على نفخ شفتيها وشد وجهها و”شقل”ما يجب شقله من ترهّل جسدها وعلى نفض أسنانها وعلى المعجون والبويا. فتخيّلوا ردّة فعلها إن توجه إليها أحدهم بـ “يا خالتي”

 

وأجدني، منذ أعوام في دائرة الإستهداف. وقد حذّرت أولياء من هم في سن أولادي من المعارف والأقرباء من مغبة مناداتي بـ “عمّو عماد” تحت طائلة المقاطعة. لكن ماذا أفعل حيال من لا “مونة” لي عليهم؟ ذات يوم كنت خارجاً من منزلي الذي يبعد ثلاثمائة متر، لا أكثر، عن المؤسسة اللبنانية للإرسال، فاستوقفني شاب ثلاثيني وسألني بكل ثقة “عمو وين الـ LBC ؟ ” فأجبته: “أنا لست من المنطقة” كردّ فعل على تهذيبه. كما قاطعت صاحب ميني ماركت بعد إصراره مراراً على اللطف الزائد كلما شاهدني أتفحّص كوز رمّان” شو بقدر إخدمك عم؟”. وفي الأمس وأنا متوجه إلى الجريدة، فتح شاب شباك سيارته وطلب مني أن أفعل مثله ففعلت. قال. مرحبا عم. العدلية من وين. كنا في الأشرفية فأرسلته إلى بعبدا. هل ما فعلته تصرّف شرير؟