IMLebanon

دعوها تسقط

 

 

دعوها تسقط تلك المنظومة التي أسقطت البلاد والعباد ومستقبل الأجيال والإدارات العامة والقطاعات الخاصة والعلاقات الداخلية والخارجية. دعوها تسقط تلك المنظومة المتسلّطة على رقاب الناس بسلاح الفساد والإفساد وبعدوانية اللاشرعية وبإجرام الدويلة. دعوها تسقط منظومة «البلّه وشراب مايّتها»، منظومة الاستخفاف بالآخر، «فقط لأنه آخر» وبالمعايير الأخلاقية والديمقراطية والدستورية وبمفهوم الشراكة الوطنية، منظومة التجهيل للحقائق والتعالي على الآخرين والتعظيم السخيف للزعيم. دعوها تسقط لأنّها مُتمكّنة من السلطة ومتمسّكة بها ومتشابكة عنكبوتياً بأجهزتها، حتى أضحت الدولة عدوّة لشعبها، دعوها تسقط لتسقط معها «دولة العفن».

 

شبكت المنظومة الحاكمة بشكل مُحكم كافة قطاعات دولة اللبنانيين بأنظمتها الخارجة عن القوانين، فعزلتها عن الشعب وعن العالم الخارجي، وبسيطرتها على القطاعات الرسمية أسقطتها جميعاً. بدءاً بالقطاع المالي اللبناني الذي صادرت قراره من موقع وزارة المال والتسويات مع حاكمية مصرف لبنان، فاستطاعت أن تحوّله متنفّساً وحيداً للقطاع المالي للنظام السوري المنهار، وللقطاع المالي للنظام الإيراني المنعزل دولياً، وبذلك أصبح قطاع اللبنانيين المالي غسّالة الاقتصاد اللاشرعي لمحور الممانعة، وسقط القطاع الذي كان في الأمس القريب من أنجح القطاعات المالية دولياً، ودفع الشعب اللبناني أثمان ذلك غالياً من قوتِه وتعب حياته، وبات ما تبقّى من القطاع تحت السيطرة الكاملة لعصابات الدويلة، فسقط القناع عن المتعاونين معها، وسقط بأكمله.

 

شبكت المنظومة المتخلّفة أيضاً السياسات الخارجية الرسمية للبنان بحساباتها الإقليمية، وألزمتها بمواقف داعمة لدول المحور، ومعادية لأصدقاء لبنان الحقيقيين وللعالم الحرّ الذي انتمى إليه لبنان قبل نشوء هذا المحور. وجعلت المنظومة القطاع السياسي الخارجي، الذي كان سابقاً الناطق باسم القضايا العربية في المجالس الدولية والأممية، والمُمثّل الأبرز للقضايا الإنسانية في شرعة حقوق الإنسان الأممية، «معتقلاً» بخدمة المحور وأوساخه، فسقط وسقطت معه علاقات لبنان الدولية.

 

وتتالت إسقاطات المنظومة بمعاييرها الإيديولوجية على دولة اللبنانيين بكل قطاعاتها ومرافئها وعلى الشعب اللبناني بثقافته وطبيعة حياته، فطبّعت القضاء اللبناني الذي كان في السابق يزخر بأساتذةٍ دوليين في التشريع والدستور والمفاهيم القانونية، وما زال إلى الآن غنيّاً بهم، فطبّعته بأعمالها المافيوية والزبائنية التي أفضت إلى شلّه وإخضاعه وتشغيله لصالحها وضدّ معارضيها، وأصبح صورةً طبق الأصل لقضاء النظام السوري المُبدع بالتشويه والفبركات، وقضاء النظام الثوري الإيراني المُتفنّن بقتل الشعب الإيراني وتسميمه وتصفيته، وألزمته بقول ما تريده منه والتمنّع عن القيام بما يزعج حساباتها، وأوقفت التحقيق بجريمة العصر الناتجة عن أعمالها العسكرية والأمنية واللوجستية التي سبّبت جريمة تفجير المرفأ بإبقائها على مواد تفجيرية في أحد العنابر المحجوزة «لمقاومتها»، والتي احتاجتها في حروبها وأعمالها الإرهابية سورياً ودولياً. وهكذا فجّرت المرفأ وغيّرت هوية المطار وأحلّت مكان صور لبنان الجميلة على طريقه الدولية، صوراً لإيديولوجيتها المقيتة، وأسقطت مرافئ لبنان الشهيرة دولياً والمُعتمدة من شركات النقل الدولية والمكتظّة بالسفن والأعمال، وأحلّت محلّها الخراب والتهريب والتبييض. أسقطت المنظومة قطاعاً لبنانياً آخر.

 

تعاظم الإسقاطات

 

وتعاظمت الإسقاطات لقدرات اللبنانيين ومميّزاتهم، فضُرب القطاع التجاري والاقتصادي بآفة التهريب لأجل تمويل اقتصاد المُمانعة، وضُرب تباعاً القطاع الزراعي اللبناني الذي عُرف سابقاً بجودته العالية، فاختفى من الأسواق المحلّية والخارجية، وسقط معه القطاع التجاري اللبناني الذي بالمقابل غزت أسواقه سلع وأدوية مهرّبة وفاقدة المواصفات العالمية وممنوعة علمياً، وفاسدة ومنخفضة النوعية، وأصبح الشعب اللبناني مشابهاً لفئران المختبرات الخاضعة للتجارب، مع الفارق بأنّ اللبناني لا أمل له في النجاة طالما بقي أسير مطابخ المحور، أمّا فئران المختبرات فأملها في النجاة كبير ورهن نجاح التجارب في المختبرات العلمية.

 

سقطت أيضاً الصحّة العامة في لبنان في حين أنّ القطاع الصحّي اللبناني كان من أهمّ القطاعات الصحّية الدولية وما زال يتمتّع حتى الآن بالإمكانيات العلمية، ولكنّه بمهبّ الريح المُلوّثة مع استمرار محور التدمير بالتأثير السلبي على لبنان بمعالمه العلمية الثقافية المتنوّعة والمنفتحة، ومع استكمال المنظومة أعمالها التخريبية، بتهريب الأسلحة ونقل المتفجّرات، وبتمريرها في الشوارع وبين الناس بلا مسؤولية وطنية وفقدان كلّي للحسّ الإنساني، وهو أمر غير مستغرب. فمن لم يرفّ له جفن أمام هول انفجار المواد المتفجّرة المخزّنة في المرفأ، لا يعنيه ما قد ينتج عن تسريب الأسلحة والمتفجّرات بين الأحياء، فقضيته الإيديولوجية أسمى بالنسبة له من حياة البشر.

 

مع كل هذه الخطايا التي اقترفتها المنظومة بحقّ المجتمع اللبناني، ومع كافة الأعمال «الشيطانية» التي طالت اللبنانيين، لا خلاص ولا حلول معها، والعودة إلى ما كان من تركيبةٍ معها يُعدّ من أغبى التسويات. فالاتفاق مع الطرف الذي أسقط البلاد ليس إلا عودةً للخطيئة، ولا مُساوَمَة مع عَملِ الشَرّ، بل يجب قَطعهُ فوراً من دون تردّد، واقتلاع الخطيئة من جذورِها. أمّا الأمل الوحيد لشعب لبنان فلا يتأمّن إلّا من خلال «دعوها تسقط»، فالمبادرات الدولية والإقليمية رهانات خاطئة، لأنّ المنظومة ساقطة لا محالة بكل المعايير الأخلاقية والعملية والعلمية وستسقط معها الدولة التي شبكتها عنكبوتياً، والأوكسجين الذي يأتي للدولة هو معونة للمنظومة، «فدعوها تسقط».

 

ظلم الإنسان في لبنان هو استمرار لتركيبة الأكذوبة لأنها إطالة لأمد عذابات الشعب اللبناني. أمّا لبنان الوطن فلا خوف عليه لأنّه باقٍ بعد تحريره من المنظومة.