IMLebanon

الزعيم الجامح  والرئيس الجامع

لو تمّ انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في ظروف طبيعية، لكان دخل التاريخ اللبناني الحديث من أبوابه الواسعة، كرئيس اصلاحي متقدم ومستنير، ولربما كان مهّد الطريق للخروج من النظام الطائفي المقيت لارساء نظام عصري يقوم على أسس المواطنة في دولة مدنية مستقرة ومزدهرة… ولكن ما القصد من عبارة في ظروف طبيعية؟! القصد هو ان العماد عون لو انتهج منذ البداية سياسة اصلاح وتغيير بالانفتاح والحوار والاقناع، واختراق الطوائف بكسب قلوبها ومحبتها بخطاب جامع لا جامح كما يفعل اليوم – بعد انفتاح الرئيس سعد الحريري على دعم ترشيحه الرئاسي – لكان هذا التراكم في مساره الطويل جعله موضع ثقة اللبنانيين جميعاً، وكتلهم وأحزابهم أو غالبيتها الساحقة على الأقل، وذلك على غرار ما فعله الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كسب الثقة الاجماعية بترفعه عن شهوة الحكم، وزهده بخيرات المنصب، ونزعته الحقيقية نحو الاصلاح والتغيير، وما فعله عملياً في عهده!

فؤاد شهاب وميشال عون بينهما قاسم مشترك في أمرين: كلاهما كان قائداً للجيش، وكل منهما كان يؤمن باجراء اصلاح حقيقي في البلاد. غير انهما اختلفا في الأسلوب. شهاب اتبع أسلوباً هادئاً ومترفعاً عن الانغماس في التحالفات السياسية، بينما اتبع عون أسلوباً هجومياً وصدامياً لبناء شعبية خاصة به أولاً، وتكون تالياً رافعة يقفز منها الى قمة هرم السلطة. وهما معاً كان القصد الأول لكل منهما التغيير والاصلاح… غير ان أسلوب عون ترك في الساحة السياسية الكثير من الرواسب، والكثير من الندوب لجراح اما بقيت مفتوحة، أو انها خُتمت على زغل!

مسيرة العماد عون السياسية الطويلة فرزت موقفين صريحين ونافرين: مع وضدّ. وغالبية المتوجسين من وصوله الى الرئاسة تعتقد أن الطبع لدى عون سيغلب التطبّع، وانه في الرئاسة لن يكون غيره في موقعه الذي كان عليه طيلة حياته كزعيم شعبي تصادمي! والتظاهرة الأخيرة الحاشدة للتيار الوطني الحر على طريق قصر بعبدا تركت انطباعاً مثيراً للقلق، أقلّه لدى غالبية من المواطنين الذين كانوا ولا يزالون لا هم مع ولا هم ضدّ. والصورة العامة لدى هذه الشريحة، ان الوصول الى الرئاسة أصبح هدفاً في حدّ ذاته، وليس وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى وهو التغيير والاصلاح!

… ويبدو اليوم وكأن التيار البرتقالي يجافي الفطرة الشعبية التي تقول وتردّد على مرّ الأجيال والعصور، ان طالب الولاية لا يولى!