كان هنري آدامس يقول إن السياسة هي التنظيم المنهجي للحقد. وهذه نظرة ضيقة جداً الى الأساس الذي ينظم الاجتماع البشري ويضمن تقدمه. نظرة محكومة بظروف أميركية محددة وبالدمج بين ممارسات السياسيين وألعابهم وبين السياسة بمعناها النبيل، وهو فن ادارة شؤون الناس. لكن لبنان يكاد يصبح النموذج العملي لهذه النظرة، حيث موت السياسة وسط أعلى منسوب للثرثرة السياسية.
ذلك أن الكل يتحدث يومياً عن الأخطار والتحديات، ويطالب بانتخاب رئيس للجمهورية من أجل مواجهتها بآلة سلطة تعمل بدل أن تبقى معطلة. ولا طرف، باستثناء قلة، يتصرف على أساس أن الأخطار جدية ويفتح الطريق لملء الشغور الرئاسي. والخطاب الشائع هو أن من الصعب أن يحافظ لبنان على الاستقرار والنجاح المستمر في كشف الخلايا الارهابية وضبطها بالاعتماد على العامل الأمني وحده من خلال الجيش وقوى الأمن والأجهزة، وسط أزمات اقتصادية وسياسية ومالية واجتماعية في ظل شغور رئاسي وبرلمان عاطل عن العمل وحكومة مشلولة. لكن الأكثرية تراهن على حاجة القوى الاقليمية والدولية الى خدمات يقدمها لبنان، بحيث ترفع فوقه مظلة أمنية تضمن الاستقرار الهش.
والسؤال هو: ماذا لو لم تعد تلك القوى محتاجة الى خدمات لبنان والاستقرار؟ ما هي هذه الجمهورية التي تدخل عاماً ثالثاً بلا رأس، وتنتظر ما تنتهي اليه حروب سوريا والعراق واليمن وصراعات المحاور الاقليمية لانتخاب رئيس؟ وماذا نسمّي الطبقة السياسية التي تمارس غطرسة اللاسلطة في الداخل، وتنفذ أوامر الخارج ولو كانت ضد المصلحة الوطنية وحتى مصالحها الفئوية؟
في الأفق ظاهرة ايجابية. فما حدث في الانتخابات البلدية أهمّ من نتائجها بالمعنى الرمزي. وساعة المراجعات دقّت، حسب الاجتماعات والبيانات المتعددة. والسؤال هو: هل تقود المراجعات الى الانفتاح على موجة التغيير والاعتراض الشعبي، مهما يكن حجمه، على ما تفرضه الاحاديات والثنائيات الطائفية أم الى البحث في وسائل ل احتواء قوة التغيير ثم الاجهاز عليها؟
ليس التسليم بأن الاتفاق على قانون انتخاب يضمن التمثيل الشعبي السليم والصحيح مهمة مستحيلة سوى اشارة واضحة الى الحرص على قطع طريق التغيير وتركيز الستاتيكو. والاشارة الأخرى هي المعادلة المتحكمة بالتحالفات: ما تجمعه المصالح تفرّقه العصبيات والغرائز. فالأجواء وتبادل الاتهامات بين الحلفاء بعد انتهاء الانتخابات تؤكد ان الناقص هو ثقافة التحالف. والناقص حتى في السجال بين الخصوم هو ثقافة الخصومة.
ولبنان يستحق ما هو أفضل.