دخل لبنان النفق المظلم مع التأكد من حتمية رفع الدعم عن المحروقات في وقت يشكل تأليف حكومة بارقة أمل ربما تلتقط كرة النار المتدحرجة حتى لو لم تفعل العجائب.
لكل بلد مشكلاته، لكن مشكلة لبنان تكمن في سوء الإدارة وقلة الحس بالمسؤولية، من هنا فإن الدول الفاعلة غير قادرة على تحقيق خرق إذا لم تقم السلطة الحاكمة بدورها.
وفي السياق، برزت اندفاعة روسية منذ تشرين الماضي وتمثّلت بحفلة استدعاءات للقيادات اللبنانية إلى موسكو، وظن الجميع أن الدخول الروسي على خط التأليف منذ تكليف الرئيس سعد الحريري سيحلّ الأزمة الحكومية.
لكن موسكو لم تنجح حيث فشل الفرنسي وغيره، وقد شهدت المواقف الروسية الأخيرة ليونة تجاه ملف إيران النووي وحتى تجاه حركة “طالبان” التي تتوجس موسكو من سيطرتها على أفغانستان.
من هنا، يشرح مصدر ديبلوماسي مطّلع على السياسة الخارجية الروسية حقيقة ما يجري ويقول: الموقف الروسي ثابت لناحية دعم ضرورة الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران، والروس يحمّلون واشنطن مسؤولية العرقلة، ولذلك هم على استعداد كقوة كبرى للبحث مع واشنطن في ضرورة تسهيل الاتفاق، لكن الجميع يعلم وعلى رأسهم الروس أن واشنطن هي من تمسك الملف لوحدها فعلياً، وإيران من الناحية الثانية.
وينقل عن مسؤولين روس قولهم أنه عندما توصلوا إلى اتفاق نووي منذ سنوات كان التفاوض الأميركي ـ الإيراني يحصل بالسرّ في عمان وفي أماكن أخرى، والدول الأخرى ومنها روسيا تبلغت لاحقاً، لكن موسكو حالياً، ومن باب تأكيد موقعها، تعلن هذه المواقف.
وتنشغل القيادة الروسية بالانتخابات البرلمانية في البلاد، ويبرز موقف روسي إيجابي من “طالبان” وسببه أن موسكو لا تريد استفزاز الحركة لأنها تعرف تاريخها الدموي منذ أيام الاتحاد السوفياتي ودخول القوات الروسية أفغانستان، فالأمور لا تزال كالجمر تحت الرماد، في حين أن موسكو تتوجّس من دور أميركي خبيث في أفغانستان وتشجيع طالبان على التدخل ودعم الحركات المتطرفة في دول الاتحاد السوفياتي السابق على حدود أفغانستان مثل طاجكستان وأوزبكستان، فإذا وصلت طالبان إلى هناك فسيتحرّك بسهولة التطرّف في الشيشان، لذلك تحاول موسكو استيعاب الوضع، لكنّ خطوطاً حمراً تتعلّق بأمنها القومي لن تسمح بالمساس بها.
وأمام التعقيدات الإقليمية والدولية، يغيب أي دور روسي جديد بالنسبة إلى لبنان خصوصاً بعد تأليف الحكومة، فالروس يؤيدون كل الأمور الإيجابية للبنان من أمن واستقرار ووحدة أراضيه، ويدعمون ميقاتي في مهمته، وهم الذين شجعوا على تأليف حكومة سريعاً، ولكن في هذه الفترة ليس لديهم استعداد للضغط على إيران أو أطراف داخلية لتسهيل عمل الحكومة، لأنهم قاموا بمحاولات واتصالات عدة مع جميع الأطراف وباتوا يعتبرون أن مشكلاتهم باتت أكبر.
ومع الترحيب الروسي بتأليف الحكومة، يلفت المصدر الديبلوماسي إلى غياب الدور الروسي عن الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة لأن الأميركي صاحب الكلمة الفصل في لبنان، وانشغالاتهم الحالية أهم من الملف اللبناني في حين أن الوضع الإقتصادي الروسي لا يسمح بالدعم المالي المجاني بل الهدف الدخول في استثمارات مربحة على الساحة اللبنانية وهذا ممنوع اميركياً، وكل الحديث عن التوجه شرقاً لا يُصرف في أي مكان، لأن الأمور باتت واضحة فأي دعم لحكومة ميقاتي يجب أن يمرّ بالإصلاحات أولاً من ثم التفاوض مع صندوق النقد الدولي والعمل وفق مقتضيات المبادرة الفرنسية وليس عبر مندرجات السياسة الروسية في المنطقة، خصوصاً ان حلّ جزء من أزمة الكهرباء حصل بعد التدخل الأميركي وليس الروسي، رغم الرغبة الروسية في الإستثمار في مجال الطاقة اللبنانية وذلك عبر بوابة الشمال حيث حاولوا الدخول لكن “الفيتو” الأميركي رفع في وجههم.