قد يشعر الرئيس عون وجبران باسيل ووزير خارجيتنا وبعض من يستقبلهم بوغدانوف ويتكرّم عليهم لافروف بلقاء وعموم أهل “الممانعة” بإحراج كبير، لعدم قدرة لبنان على ارسال وفود تهنّئ الرئيس الروسي بـ”البلطجة” الاستثنائية المتمثلة بضمه أجزاء من اوكرانيا تحت عنوان “الاعتراف بالاستقلال”، وبإرساله “قوات ردع” إليها تلبية لصراخ أهلها “وامعتصماه”.
لم تطُل حرقة الملتاعين المتّجهين “شرقاً”. جاءهم المَدَد سريعاً. فاستناداً الى “نظرية الوفاء” قبل الفضل السياسي والعسكري، بادرت دمشق الى دعم اعتراف موسكو بـ”جمهوريتين” نجح فلاديمير بوتين في العام 2014 في جعلهما انفصاليتين، مكملاً “معروفاً” بدأه بضم شبه جزيرة “القرم”، ومساراً انتقامياً لاستعادة تركة الاتحاد السوفياتي عبر تعزيز الشوفينية القومية ممزوجة بشعبوية لقيت هوى في نفوس الروس، وفي صناديق اقتراع تعطي أحياناً كثيرة تفويضاً كاملاً لطغم حاكمة أو أحزاب شمولية أو أنظمة تيوقراطية رجعية أو قادة مجانين.
الشيء بالشيء يُذكر. ولمَن لم يكن قد ولد بَعد، أو لم تكن جرائم الاستبداديين في دائرة اهتمامه، أو لا يتذكر الجلسة الشهيرة التي ترأسها صدام حسين بعد ثلاثة أيام من “استيلائه” عملياً على السلطة في العام 1979، يجب ألّا تفوته العودة الى “غوغل” المنقذ من النسيان والموصل الى ما غاب من وقائع وأحداث.
فالفيديو الذي نشر عن اجتماع بوتين مع أركانه الأمنيين والسياسيين الاثنين الماضي لا يحيل المشاهد إلا الى صورة أعضاء قيادة حزب البعث العراقي يرتجفون أمام أسئلة باردة وقاسية وجهها اليهم في جلسة علنية مسجلة “الرئيس القائد” قبل ان يهدّئ روع بعضهم بسخرية موجعة أو يَفهمَ مرافقوه من لهجته الصارمة بأن يقودوا آخرين مذعورين الى مصيرهم المحتوم.
أكثر ما يثير الشفقة حوار بوتين مع رئيس جهاز استخباراته الخارجية. أُسقط في يد الرجل حين سأله رأيه. تلعثم وارتبك وغمغم بنعم ولا. تعوَّد أن الاجابة دائماً مُلك “القيصر”. فإذا أمر بضم الاقليمين يكون الضم قراراً حكيماً، وإذا اعترف باستقلالهما فالقرار صائب حتماً. ارسال الجيش الروسي للتدخل خطوة ممتازة وعدم ارساله ممتاز أيضاً. مسكين ذاك المدعو سيرغي ناريشكين، كان كطفل يتيم في يد خاطف لئيم. سقط في امتحان المستشارين أو المقربين الوصوليين الذين يُجيدون إسماع القائد أو الرئيس او الأمين العام ما يشتهيه ودخل في عالم ممسوحي الكرامة والموظفين المذلولين.
ليس بوتين أول زعيم دولة يستثمر في “المؤامرة” ويخترع قصة “المدى الحيوي” ويخرب نسيج الدول المجاورة لوضع اليد عليها وجعلها تدور في فلكه. كان الرئيس عون في “قصر الشعب” والمنفى يتهم الأسد – الأب بأنه “يضرم الحريق اللبناني ليتذرع بإطفائه”. سوريا صارت ملعباً توقد فيه خمسة جيوش النار التي تريدها، لكن المشكلة أن “الدب الروسي” الجديد صار على حدودنا في مرفأ اللاذقية وقاعدة حميميم، ويخطط بموافقة غربية واتفاقات رسمية للبقاء في جوارنا ما تبقى من القرن الواحد والعشرين. ونحن بالطبع لا ينقصنا جيران إضافيون من قماشة القساة والمستبدين.