في أصعب الأوقات وأشدّها على الاقتصاد العالمي بسبب تفشي ڤيروس «الكورونا» والذي تسبب بأكبر ركود إقتصادي عالمي في التاريخ في هذا الوقت بالذات بدأت حرب من نوع آخر هي حرب أو حروب أسعار النفط وحروب إنتاج.
كما هو معروف ان المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية من حيث الإنتاج في العالم إذ يبلغ الإنتاج اليومي ١٣ مليون برميل نفط خام… بينما تأتي أميركا في المرتبة الأولى حيث يصل الإنتاج الى ١٨ مليون برميل نفط خام يومياً، ولكن الفرق بين السعودية وأميركا أنّ أميركا تستهلك إنتاجها بالكامل وهي بحاجة الى استيراد كميات أخرى.
أما روسيا فتأتي في المرتبة الثالثة من حيث الإنتاج، وكان الإنتاج اليومي يصل الى ١٠.٥ مليون برميل والآن ١١.٥ مليون برميل يومياً وهذا نتيجة تنافس مع المملكة العربية السعودية مؤخراً، الصين تستهلك ١٠ ملايين برميل يومياً، الإنتاج ٨- ٩ ملايين برميل يومياً… وهي تستورد من السعودية والكويت والإمارات، وبسبب العقوبات الاميركية توقفت الصين من استيراد النفط الايراني.
بدأت معركة حروب الإنتاج بين روسيا والمملكة العربية السعودية في مؤتمر «أوبك بلاس» في ڤيينا الاسبوع الماضي، ونقطة الخلاف كانت رفض روسيا تخفيض إنتاجها ولو ٥٠٠ ألف برميل يومياً فخلق ذلك مواجهة بين روسيا وبين دول «الأوبك» ووصل الى الطلاق بين الأعضاء، وانتقلت من حرب إنتاج الى حرب أسعار مما أدّى الى انخفاض أسعار البرنت الى ٣٥ دولاراً للبرميل، وهو أدنى سعر منذ حرب الخليج عام ١٩٩١ يوم احتل صدّام حسين دولة الكويت مما أدّى الى دخول أميركا عسكرياً الى السعودية من أجل تحرير دولة الكويت، وهذا ما حصل إذ بلغت قوات التحالف الدولية بقيادة الامير خالد بن سلطان الى جانب القيادة الاميركية ٥٠٠ ألف عسكري من مختلف دول العالم بما فيها الجيش السوري الذي أرسله المغفور له الرئيس حافظ الأسد.
كانت ردّة الفعل السعودية أن رفعت إنتاجها اليومي الى ١٣ مليون برميل وروسيا أيضاً الى ١٢ مليون برميل يومياً، جاء ذلك في ظروف انخفاض الاستهلاك العالمي نتيجة إنتشار ڤيروس «الكورونا» في الصين وانتقاله الى إيران ومن ثم الى جميع بلاد العالم.
زيادة في الإنتاج وانخفاض في الاستهلاك أدّى الى هبوط في الأسعار الى حدود الانهيار بشكل دراماتيكي.
السؤال هنا: كيف ستكون نتائج هذه الحرب؟ وهل هي عملية عض أصابع بين السعودية وبين روسيا؟ وماذا سيكون انعكاس ذلك على الدول المستهلكة وعلى الدول المنتجة؟
أولاً: الدول المنتجة وخاصة السعودية وروسيا ستكون الخاسر الأكبر نتيجة هذا الحرب خصوصاً أنّ ميزانيتها بنيت على أساس ٨٠ دولاراً للبرميل الواحد وهي الآن ٣٥ دولاراً للبرميل مما سينعكس على جميع استثماراتها ومخططاتها التنموية ولوحظ بشكل مباشر انهيار البورصات العالمية خصوصاً أسهم أرامكو والشركات الروسية وانخفاض الروبل.
ثانياً: إنخفاض الأسعار دون ٤٠ دولاراً سيؤدي الى إفلاس شركات النفط الاميركية المنتجة للنفط الصخري في أميركا وكندا.
ثالثاً: إيران ستكون أكثر المتضررين من هذه الحرب رغم الحصار المفروض عليها لكي يبقى إنتاجها النفطي أساسي في دعم ميزانيتها.
أما على صعيد الدول المستوردة للنفط فهي لا شك ستكون أكثر المستفيدين على صعيد انخفاض الأسعار خصوصاً الدول الصناعية التي تعتمد على الطاقة بشكل أساسي، وكذلك على المستهلك في هذه الدول نتيجة انخفاض أسعار المشتقات النفطية.
أما على صعيد أميركا فبرغم كونها من الدول المنتجة للنفط ولكنها في نفس الوقت مستوردة أساسية في العالم عبر شركاتها النفطية العملاقة وسيكون المستهلك الاميركي والصناعة الاميركية من أكبر المستفيدين في هذه الحرب النفطية الدائرة بين روسيا والسعودية وربما يستفيد منها ترامب في تخفيض أسعار المشتقات النفطية الى حدها الأدنى مما يزيد فرص إعادة إنتاجه.
والخلاصة، فإنّ السعودية وروسيا والدول المنتجة للنفط هي أكبر المتضررين في هذه الحرب فلا يمكن لأي منها تحملها لآماد طويلة ولا بد لإعادة صياغة اتفاق يحفظ حقوقهم ويعيد التوازن للأسواق العالمية، ومن الطبيعي أن نتوقع إعادة ارتفاع الأسعار تدريجياً خلال شهري نيسان وحزيران القادمين.
ملاحظة ان أسعار إنتاج النفط الصخري الاميركي يبلغ ٤٠ دولاراً.
كذلك هناك فرصة للدول التي تملك مساحات للتخزين انه أفضل وقت لشراء كميات كبيرة من النفط بأسعار ضعيفة جداً وتخزينها لأنّ الأسعار سوف تعود الى الصعود عند انتهاء حرب «الكورونا» وعودة الحياة الطبيعية.