بعدما بلغ “كورونا” الذروة في أوروبا، تفشى هذا الفيروس في روسيا في الأيام الأخيرة بشكل كبير ما يدخل البلاد في صراع جديد أصعب من الحروب التي خاضتها سابقاً.
كانت الأرقام في روسيا حتى الأسابيع الأخيرة مُطمئنة جداً، لا إرتفاع قياسياً في عدد الإصابات، والوفيات مقبولة بالنسبة إلى أعداد السكان، وفجأة وفي الأيام الأخيرة إنفجر الوضع الكوروني في البلاد مخلفاً معه آلاف الإصابات ومئات الوفيات.
تقف روسيا في حربها مع “كورونا” أمام تحدّ جديد، فالرئيس فلاديمير بوتين كان أول من اتصل بنظيره الأميركي دونالد ترامب عارضاً المساعدة في مواجهة “كورونا”، من هنا فإن السؤال هو هل ستشكّل روسيا “ستالينغراد كورونا” أو أن هذا الوباء سيفعل بها ما عجز جيش هتلر عن فعله أيام الحرب العالمية الثانية؟
سفير لبنان في روسيا شوقي بو نصّار الموجود في موسكو يروي لـ”نداء الوطن” حقيقة الوضع، ويقول إن ذروة المرض تأخذ بعض الوقت لتظهر لأن هناك مصابين لا تظهر عليهم العوارض حالاً، والتوقعات أن يصل عدد الإصابات في روسيا الى ما بين 80 و100 ألف إصابة، وهذا الرقم يعتبره المسؤولون الروس مقبولاً وتحت السيطرة خصوصاً أن رقم الوفيات لا يزال منخفضاً.
ويكشف بونصار أن روسيا جهّزت بُنى تحتية صحية هائلة تستوعب 95 ألف سرير لهذه الحالات بين مستشفيات قديمة وإنشاء الجيش مستشفيات جديدة في ضواحي موسكو بعيدة عن الأحياء السكنية لتشكّل عزلاً طبيعياً للناس، كذلك لدى الروس عدد كاف من أجهزة التنفس ما يمكنهم من التصدير لدول أخرى عكس نيويورك التي أصبح فيها نقص. وبالنسبة إلى تاريخ هذه البنى التحتية الصحية فإنها تأسست منذ أيام الإتحاد السوفياتي الذي كان يتبع سياسة الإكتفاء الذاتي.
ويشير إلى أنه بقدر ما ينتشر “كورونا” تتخذ روسيا إجراءات تصاعدية وصارمة، موضحاً أن رئيس بلدية موسكو سيرغي صوبيانن يتخذ تدابير مشددة وآخرها منذ 4 أيام حين منع تحرك السيارات والمشاة في الشارع، ولا يمكن لأحد السير إلا بإذن خطي يحصل عليه عبر الإنترنت بعدما استحدثوا “سيستام” لهذا الغرض لتعليل سبب التنقّل.
ويلفت بو نصار إلى أن الشرطة الروسية تُنظم دوريات في الشوارع لتوقيف كل المشاة والسيارات، علماً أن الغرامة أكثر من 100 دولار، وإذا تكررت المخالفة تزداد العقوبة لتصل إلى مرحلة السجن خصوصاً إذا اكتشفوا أن الشخص المخالف يشكل خطراً على السلامة العامة ويخالف التعليمات بشكل فاضح.
الجالية اللبنانية
هذا بالنسبة إلى الوضع الروسي العام، أما الأساس فيبقى وضع الجالية اللبنانية هناك، وفي السياق، يؤكد بو نصار أنه “إلى هذه اللحظة لا إصابات في صفوف الجالية اللبنانية في روسيا ولا في بلاروسيا التي تقع ضمن صلاحيات السفارة اللبنانية في موسكو، والتي نتابع أوضاعها من خلال قنصلية فخرية أنشئت منذ نحو 10 سنوات في مدينة مينسك العاصمة”.
ويضيف: “نتابع شؤون الطلاب يوماً بيوم عبر لجنة الطوارئ التي أنشأتها وعلى مدار الساعة، لافتاً إلى أن الظرف دقيق وحرج مع تزايد عدد المصابين بالفيروس في روسيا، ولكن صحيح أن العدد يتزايد بشكل كبير لكن بوتين شخصياً يشرف على الإجراءات الصارمة لمتابعة الوباء ومنع انتشاره”.
ويوضح أن الهاجس الأساسي عند اللبنانيين في روسيا أمران: الأول تأمين الطائرة حتى يعودوا إلى بلدهم وهذا ما نسعى اليه مع الحكومة اللبنانية، وفي هذا الصدد أرسلت عدة برقيات آخرها كان منذ 5 أيام أشدد فيها على ضرورة إرسال طائرة بأسرع وقت ممكن بعد إعادة إطلاق رحلات “الميدل إيست” في 27 هذا الشهر، ونأمل في تجاوب الحكومة وأن تشمل موسكو رحلات “الميدل إيست”، وفور تبلغنا بتأمين الطائرة سنبلغ أبناء الجالية بهذا الأمر وحسب الأولويات”.
ويشدد على أن “الأولويات ستكون بشكل موضوعي وتنطبق مع الأصول والحالات بكل شفافية بعيداً من أي اعتبار سياسي أو طائفي أو مذهبي وعكس ما يتم تداوله عما حصل في بعض عواصم أوروبا الغربية، لأننا سفارة لكل لبنان”.
ويكشف بو نصار أن “الأولويات ستكون للمرضى وكبار السن علماً ان عددهم ليس كبيراً، وللنساء سواء كنّ طالبات أو موجودات في روسيا، وضمن الأولويات وللموجودين بإقامة موقتة أي الذين أتوا للسياحة أو لعمل ما ولفترة محددة وعلقوا هنا، ومنهم الممثل الكوميدي ماريو باسيل المتزوج من روسية وأتى لزيارة عائلته في روسيا وعلق منذ أكثر من شهر ونصف، إضافة إلى كل الطلاب”.
ويشير إلى اننا “نحتاج طائرات إلى موسكو ومينسك لانه يوجد 900 طالب لبناني يريدون العودة”.
ويتابع بو نصار: “الأمر الثاني هو أزمة التحويلات المالية للطلاب بعد القيود المالية المجحفة التي فرضتها المصارف اللبنانية على التحويلات بالعملات الأجنبية إلى الخارج، ولذلك أضم صوتي إلى صوت الطلاب بهذا الموضوع لأن كثراً منهم يعتمدون على تحويلات ذويهم، والطلاب هنا من العائلات المتوسطة وغير الميسورة”.
إذاً، أمام كل هذه الأوضاع هل ستصغي حكومة لبنان إلى أصوات الإستغاثة اللبنانية المتصاعدة من روسيا، أو أنها لن تتمكن من استكمال المرحلة الثانية من إعادة المقيمين في الخارج؟