IMLebanon

روسيا تطرق باب سجن هنيبعل القذافي

 

 

 

أُبرِح هنيبعل القذافي ضرباً من قبل خاطفيه، قبل ثلاث سنوات، لكنّه لم يُدلِ بأيّ معلومة عن مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه. انقضت تلك المدّة على وجوده في السجن، قيد التحقيق، لكنه لم يُقدّم جديداً. معطيات الملف القضائي تُولِّد قناعة لدى المحقق العدلي بأنّ ابن الزعيم الليبي يُخفي الكثير، فيما يتحدّث محاموه عن ملف سياسي. في النص الآتي تفاصيل ما أفاد به هنيبعل أمام القضاء اللبناني، وإشارة إلى المضبوطات التي كانت بحوزته، كلّ هذا في ظل ما يُشبه «التدويل» للقضية، إذ دخلت روسيا علناً على الخط، وعائلة الصدر ردّت عليها، ما يشي بتطوّرات مقبلة في هذا الملف

 

يتذكّر كثيرون هيئة هنيبعل معمّر القذافي في الفيديو الشهير، يوم ظهر بوجه مليء بالكدمات، إثر اختطافه من سوريا من قبل مجموعة تابعة للنائب السابق حسن يعقوب. اقتيد على ذاك النحو من سوريا إلى لبنان. كان الرجل قد تعرّض للضرب المبرّح أثناء التحقيق معه من قبل المجموعة الخاطفة، لكنه، للمفارقة، لم يُدلِ بأي معلومة تتعلّق بمصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه. سُلِّم القذافي، الذي كان مطلوباً دولياً، لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. آنذاك، قبل ثلاث سنوات، طلبت عائلة الإمام الصدر الاستماع إليه كشاهد، قبل أن يُدّعى عليه في جرم كتم معلومات، وكذلك التدخّل اللاحق في الخطف الذي وقع يوم كان يبلغ من العمر أقل من 3 سنوات.

 

ما الذي قاله القذّافي للمحقق العدلي، القاضي زاهر حمادة، في جلسة التحقيق الأولى، حتى اعتبر القاضي أنّ هناك معلومات يُخفيها؟ تقول المصادر المطّلعة على التحقيق إنّ القذّافي بادر القاضي قائلاً: «موسى الصدر ورفيقاه لم يغادرا ليبيا. من ورّط ليبيا في هذه القضية هو عبد السلام جلّود. والدي مسؤول مدنياً عن التعويضات، أما جلود فمسؤول جزائياً». هذه المقدمة كوّنت لدى المحقق العدلي قناعة بأنّ القذّافي الابن يملك معلومات أكثر عن القضية. تعزّزت تلك القناعة عندما أبلغ هنيبعل (كشاهد) المحقق أنّ «موسى الصدر نُقل إلى السجن السياسي في ليبيا». رواية لم تكتمل. أدلى بهذه المعلومات ثم قال للمحقق: «لن أخبركم بأي معلومة إضافية قبل أن أُصبح على متن الطائرة وأضمن سلامتي». هنا، على الفور، اعتبر المحقق العدلي أنّ جرم «كتم معلومات» أصبح قائماً. عثر المحقق، لاحقاً، في «التابلت» الخاص بهنيبعل، على «مراسلات السجن السياسي». هذه تضمنت أسماء الضباط والعناصر ومراسلات عسكرية بين ضابط أدنى وضابط أعلى، إضافة إلى ملفات لم يتمكن من فتحها، وكذلك «مقاطع فيديو تعذيب في السجن السياسي وأخرى خاصة». عند سؤال المحقق لهنيبعل عنها، ردّ بأنّه كان مسؤولاً عن السجن السياسي، لكنه، في جلسات لاحقة، تراجع ليقول إنّ شقيقه الذي قُتِل، المعتصم بالله، كان مسؤولاً عن الأمن القومي، وأنّ ضابطاً تحت إمرته أخبره هذه المعلومات عن الصدر. سأله المحقق: «شقيقك سيف الإسلام كان بصدد القدوم إلى لبنان لمناقشة موضوع التعويضات، ما يعني إغلاق الملف بعد كشف المصير… ألم يُخبرك شيئاً؟»، فردّ القذّافي بأنّه يتعامل مع شقيقه الأكبر، أي سيف الإسلام، كوالده، إذ كان يقبّل يده ولا يجرؤ حتى على سؤاله. هنا سأله المحقق عن أحمد قذاف الدم، الذي دخل على خط القضية لختم الملف، فردّ بأنّه لا يعلم شيئاً، وأنّ عائلته كانت تتحفّظ عن الحديث أمامه بشأن هذه القضية، لكون زوجته لبنانية. لم يُصدّق المحقق العدلي إفادة هنيبعل الأخيرة. اعتبره يُخفي معلومات، ورأى أنّ توليه مسؤولية في السجن السياسي سابقاً، وإدلاءه بمعلومة أنّ الصدر نُقل إلى السجن السياسي، توجب توقيفه بجرم التدخّل اللاحق بالخطف. هذه جناية تصل عقوبتها إلى الإعدام، لأن جرم الخطف مستمر زمنياً.

رغم الضرب الذي تعرّض له القذافي أثناء خطفه، إلا أنه لم يُدلِ بأي معلومة عن مصير الإمام الصدر

 

كان ذلك قبل ثلاث سنوات. هل يُعقل أنّ القذافي، خلال تلك السنوات، لم يدلِ بأي معلومة إضافية بعد؟ ترد المصادر: «هل تريدنا أن نُعذّبه لنستخرج منه المعلومات؟»، هنا يبرز سؤال: ما دافع القذافي إذاً إلى التكتم وإخفاء معلومات؟ تردّ المصادر بأنّ دافعه هو «عدم تشويه صورة والده، لكونه حريصاً على سمعة العائلة، ولأن القذاذفة سيعودون إلى السلطة، وهو كرّر أكثر من مرة أنّ شقيقه موعود بالعودة إلى الحكم». هذه الرواية تقدمها مصادر متابعة لقضية الإمام الصدر، من كثب، لتنفي شبهة التعسّف عن توقيف القذّافي. غير أنّ المصادر نفسها تتوجّه بالاتهام إلى وزير العدل سليم جريصاتي بالوقوف «طرفاً لا حكماً». تتحدث هذه المصادر عن زيارة وفد ليبي لوزارة العدل، أعقبها تكليف المحامي صخر الهاشم وكيلاً عن هنيبعل، فاستُكمل بعدها «السيناريو» بـ«استعراض إعلامي» نفّذه الوزير جريصاتي أثناء إحالة الملف على التفتيش القضائي. تعتبر المصادر المذكورة أنّه لو كانت نيات وزير العدل بريئة، لكان قد أحال الملف على التفتيش القضائي سرّاً، من دون البهرجة الإعلامية التي اعتمدها. يُشار إلى أن الرئيس برّي أعرب عن هذا الاستياء أثناء زيارة وفد من مجلس القضاء الأعلى له.

ينقسم المتابعون لقضيّة توقيف هنيبعل القذّافي، في لبنان، بين قائل إنّ «توقيفه قانوني»، وآخر يقول إن «الاحتجاز سياسي». يزداد هذا الانقسام حدّة مع التشكيك في قانونية التوقيف، إثر إحالة وزير العدل الملف على التفتيش القضائي بغية «التأكّد من خلوه من أي مخالفات أو تجاوزات».

 

الهاشم: اعتزلت وكالة القذافي كي لا أكون شاهد زور!

 

في المقابل، تظهر روايات مناقضة لروايات المصادر السالفة، وذلك من جانب وكلاء القذّافي. تتحدث المحامية بشرى الخليل عن «مساومة وابتزاز يخضع لها هذا الملف مقابل ملايين الدولارات». تنفي وجود جرم «كتم معلومات» متحقق في هذه القضية، لكون هذا الجرم يسقط إذا كان المجرم أحد أفراد العائلة. إلى ذلك، يرى الوكيل الآخر للقذافي، المحامي صخر الهاشم، أنّ التُّهم المسوقة بحق القذافي «هرطقة قانونية». يقول الهاشم لـ«الأخبار»: إنّ «هنيبعل أخبرني أنّه لم يتبوّأ أي مسؤولية طوال فترة حُكم والده، وأن لا علاقة له إطلاقاً بأي مسؤولية أمنية أو سياسية، وأنّه كان قبطاناً يقود باخرة تجارية». الهاشم يتحدث عن «ظلم متراكم»، لافتاً إلى أنّ عقوبة سجن القذافي سنة ونصف سنة، لاتهامه بتحقير القضاء، «عقوبة لم يسبق أنّ حُكم فيها أكثر من بضعة أشهر أو بغرامة قدرها بضعة ملايين». يُشكِل الهاشم على تجاوزات حصلت أثناء سير المحاكمات، مشيراً إلى أنّه اعتزل وكالة القذافي «كي لا أكون شاهد زور، لكونه معتقلاً وليس موقوفاً، وأنا لم أستطع أن أفعل شيئاً لأجله». يوضح المحامي أنّ المحقق العدلي غير محكوم بأمد زمني لإصدار قراره الظني، مستعيداً جريمة قتل القضاة الأربعة التي ارتُكبت عام 2000، فيما أصدر المحقق العدلي بيار فرنسيس قراره العام الماضي، أي بعد ١٨ عاماً. اعتبر الهاشم أنّ «بيان وزير العدل جاء متأخراً، بينما كان يُفترض أن يُحوّل الملف إلى التفتيش منذ زمن. ملف القذافي ملف سياسي بامتياز. لا يوجد قوّة بإمكانها إخراج القذافي من السجن سوى السياسة التي وضعته فيه».

هكذا، هنيبعل القذافي باقٍ في السجن إلا إذا أفلحت وساطة سياسية ما في إخراجه، أو تحرّكت السُّلطات الليبية لتحريك ملف الإمام المغيّب ورفيقيه، وإلا فلا بارقة أمل تلوح في الأُفق.

 

 

سجال روسي ــ صدري!

في تصريح لافت لوكالة «سبوتنيك» الروسية، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن بلاده تتواصل مع الأطراف اللبنانية من أجل إنهاء حبس هنيبعل معمّر القذافي «غير المنطقي» في لبنان. وأضاف موضحاً: «نعرف أن القذافي في سجن لبناني، ولكن لا يوجد عليه حكم محكمة، وبرأيي الخاص هذا أمر غير طبيعي، خصوصاً أنه خُطِف حين كان في سوريا، وهذا أمر قبيح. وجوده في السجن أمر غير منطقي، ونرغب في وقف هذه المعاناة». هكذا، تصريح كافٍ للقول إن روسيا، كقوة دوليّة، دخلت رسميّاً ومباشرةً على خطّ قضية هنيبعل القذافي، ما يعني أن السجال لم يعد داخليّاً فقط.

في المقابل، ردّت عائلة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، عبر وكيلها المحامي شادي حسين، على بوغدانوف ببيان جاء فيه: «لا يسعنا بهذا الصدد إلا أن نضع هذا التصريح برسم وزارة الخارجية اللبنانية، التي يفترض أن يكون لها موقف من هذا التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وفي عمل القضاء اللبناني واستقلاليته، عدا عن خدش قضية وطنية مقدسة تخص «إمام كل لبنان وكل العرب» كما وصفه معالي الوزير جبران باسيل». وأضاف بيان المحامي، الصادر أمس، أنّ «قساوة التعابير المستخدمة من السيد بوغدانوف لا تحتمل إلا الموقف المتناسب مع حجمها، ولا سيما أن هنيبعل القذافي موقوف بناءً على أحكام ومذكرات توقيف وقرارات قضائية مبرمة صادرة وفقاً للقانون، وأهمها ثبوت ارتكابه لجناية التدخل اللاحق في جرم الخطف المستمر، وجناية كتم المعلومات، والتحريض على خطف مواطن لبناني في ليبيا لمبادلته به، وتهديد المحقق العدلي في القضية وتحقير القضاء اللبناني».