نبدأ هذه المقالة الجدية بهذه المزحة « من العيار الثقيل».
الولايات المتحدة الأميركية قررت بعد طول تفكير وتدبير وتخطيط، الامتناع عن الاكتفاء بالحرب الجوية في سوريا، والنزول إلى ساحة الوغى البرية بالواسطة المحلية من خلال إدخال خمسة وسبعين مقاتلا سوريا دربتهم القوات البرية الأميركية للمشاركة في الحرب ضد داعش… (قه قه قه)!!
وكانت هذه الدولة العظمى قد قررت في بدايات عملية الضحك على ذقون العرب أجمعين بأكذوبة المباشرة بتدريب ستة عشر ألف وخمسمائة متطوع سوري تطلقهم إلى ساحة النزال والقتال بالتقسيط المتساوي وعلى مدى ثلاث سنوات، ولمحاربة داعش وحدها دون النظام، الأمر الذي أفقدها إشتراك المتطوعين المعارضين لنظام الأسد والذين يرون فيه عدّوهم الأول ومن بعده داعش، وقد فشلت المحاولات لدمج العدّوين معا إلاّ أن الموقف الأميركي المهتز والمتخاذل، حال دون ذلك، ورغم هزال هذا الرقم النسبي أمام حجم القتال الدائر على الساحة السورية ما بين جيش نظام الأسد مدعوما بما تيسّر من أهل القتال والنزال المتمثلين بحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والإيرانية وأرتال من الخبراء العسكريين والضباط والجنود الروس من جهة، وما أغدقته روسيا على نظام الأسد ومعها إيران من نخبة الآليات والطائرات الحربية وأطنان الذخائر مشفوعة بأطنان الغازات السامة والبراميل المتفجرة، وبالرغم من الحرب التدميرية الهائلة التي شنها النظام ضد الشعب السوري، لبثت الولايات المتحدة متغافلة عن عمليات الإبادة الجماعية القائمة على قدم وساق والتي أسفرت عن إبادات واسعة النطاق وعمليات تهجير داخلي وخارجي يتضح يوما بعد يوم مدى اتساعها وأنها مقصودة بحد ذاتها وتستهدف في ما تستهدفه، تغيير التركيبة السكانية السورية، ومنذ ما يناهز العام، والولايات المتحدة تفاخر بأنها أطلقت حربا جوية ضد امتدادات الدولة الإسلامية في العراق ومن ثم في سوريا، وتزعم أنها أنفقت على إذكاء نارها مليارات الدولارات، ولعلّ أظرف تعليق أطلق على الآلاف المؤلفة من الطلعات الجوية الأميركية، ذلك السؤال الذي وجهه الوزير درباس إلى السفير الأميركي في بيروت، متسائلا عن نوع الفيتامينات التي تطلقها طائرات بلاده على إرهابيّي داعش، وأمام استغراب السفير لهذا السؤال، أجابه الوزير درباس بأن طائراتكم، كلما أطلقت صواريخها على داعش كلما زاد نموها وتضاعفت امتداداتها، علما بأن الطلعات الأميركية التي طاولت المدن الكردية التي احتلتها داعش كانت الذخائر الجوية الأميركية التي أطلقت عليها زاخرة بالنيران الحقيقية والفاعلة والتي أوصلت إلى نتائج تحريرية ملحوظة خالية من مزاح الفيتامين والضحك على الذقون العربية بمناسبة وبدون مناسبة.
وها هي روسيا اليوم «تكش» الجميع عن الساحة السورية، لتتفرد «ولو إلى حين» بقيادة الأحداث السورية المقبلة.
وها هي الولايات المتحدة مستمرة في التباطؤ والتراجع والتنصل شبه الكامل من مدّ يدها الفاعلة إلى الساحة السورية، بكل جرائمها ومآسيها.
وها هي كل من روسيا والولايات المتحدة تتشاركان في أمرين:
– الضحك على ذقون العرب، وإن بصورة أكثر خبثا وخطورة مع نسبة أعلى وأوضح من القهقهة.
– التآمر على العرب عموما وعلى سوريا خصوصا، فعملية التدمير القائمة لا تقتصر أضرارها وامتداداتها على الأخلاقيات والنواحي الإنسانية فحسب، بل هي تتجاوز ذلك بكثير وصولا إلى ضرب الكيان السوري بمكوناته السنية التي يتجاوز تعدادها العشرين مليون مواطن من العرب الأقحاح الذين شاءت ظروفهم الجغرافية أن يجاوروا إسرائيل، وبعد أن صالحت مصر إسرائيل ومن بعدها الأردن، أدخلت سوريا في شرك المؤامرة الكبرى التي تسهم فيها دول عديدة وفي طليعتها اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران، وهي مؤامرة ذات ابعاد متعددة، ويتضح منها يوما بعد يوم شقّها الإسرائيلي، حيث أن الكيان الصهيوني يكتفي في هذه الأيام بالتفرج على ما يدور حوله من التهام جشع لمعظم أنحاء العالم العربي أرضا وشعوبا ودولاً، ويا لها من فرجة مأسوية تدمي قلوبنا جميعا.
ها هي روسيا اليوم تدخل أكثر فأكثر في المغامرة السورية، وهي تظن أنها سلاح بيدها تقاوم به الأميركيين والدول الغربية عموما، ولكنها هي الأخرى قد أدخلت نفسها بنفسها في شرك لن تسلم منه على المدى المتوسط والبعيد، دون أثمان باهظة ستدفعها على أرض المعركة، وإذا ما تطورت امتدادات هذا الشرك، عسكريا وزمنيا، فليس من المستبعد أن ينالها الأذى من خلال تدفق مزيد من الإسلاميين المتطرفين إلى أرض «الجهاد» السورية، وتطور الأوضاع الروسية ومن خلالها الجزء الإسلامي الروسي الذي تتضاعف أعداده بصورة أثارت قلق بوتين إلى حدود الارتعاب الشديد، وقد بات هذا الوضع جزءا أساسيا من هواجسه وتصوراته ومخططاته. وهناك من ينصح بوتين باستعادته للذاكرة بكل ما تعلق بما فعله المقاتلون الأفغان بالجيش الروسي الذي كان بوتين شخصيا جزءا من تركيبته المخابراتية قبل أن يصبح لاحقا رئيسا لروسيا يقامر بها بما يخالف معطيات هذه الأيام الحافلة بكل ما يدعو إلى اليقظة والتنبه وإجراء الحسابات الدقيقة في رسم سياسات الدول ومغامراتها، حيث لا يكفي أن يكون رئيسها رجلا طموحا وجريئا ومتحمسا، علما بأن التطلع إلى اتخاذ سوريا قاعدة للطموح الروسي في إطلالة روسية ثابتة على المتوسط، سيلقى تنازعا قويا بين قوى عديدة تنافس روسيا في مثل هذا الطموح، وستكون ساحته المتمادية…. «المسكينة سوريا» التي يتم حاليا تشريد شعبها في هجرة داخلية، ولجوء اقليمي وهروب جماعي إلى أي مكان في العالم يتمكن السوري من أن تطأ قدمه أرضه.