IMLebanon

روسيا و«داعش» .. والنظام السوري

هل يستطيع فلاديمير بوتين اقناع العالم، والسوريين أوّلاً، بأنّ التدخل العسكري الروسي يمكن ان يساعد في ايجاد مخرج سياسي في سوريا؟ هذا على الأقلّ ما يحاول الرئيس الروسي تسويقه لدى الآخرين طالبا وساطة مع المملكة العربية السعودية واطراف عربية وغير عربية اخرى من اجل اقناع الثوار في سوريا بالتوصل الى وقف لإطلاق النار «ولو على جبهة واحدة». 

نظريا، يبدو الموقف الروسي منطقيا. لكنّ التنظير شيء والواقع شيء آخر، خصوصا انّ الواقع يشير الى ان الأحداث تجاوزت السياسة الروسية التي لم تستطع في يوم من الأيّام تقديم اي ايجابية على الصعيد الإقليمي. بقيت هذه السياسة في كلّ وقت اسيرة ايديولوجية عقيمة في ايام الإتحاد السوفياتي، السعيد الذكر، وردود الفعل التي لم تأخذ في الإعتبار التغييرات على الأرض السورية في عهد فلاديمير بوتين. 

من خلال اللقاءات التي عقدها بوتين مع عدد لا بأس من كبار المسؤولين العرب، رشح انّه يؤكد على ثلاث نقاط. يؤكّد في البداية ان التدخل العسكري الروسي الذي تمثّل في ارسال طائرات الى الساحل السوري من اجل قصف «داعش»، انما يستهدف «استعادة التوازن على الأرض» تمهيدا لتسوية سياسية. 

يشدّد بوتين، في الغرف المغلقة، على ان روسيا مقتنعة ثانيا بضرورة رحيل الأسد الإبن في مرحلة معيّنة وذلك عن طريق اقناعه بعدم الترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة… لكنه يشدّد ثالثا، واخيرا، على انّ المطلوب في المرحلة الراهنة تثبيت الهدنة على احدى الجبهات لتسهيل البحث عن حلّ سياسي. انّه الاختراق الذي يبحث عنه الكرملين من دون ان يدرك انّ لبّ المشكلة في مكان آخر، اي في العلاقة بين «داعش» والنظام السوري، وهي علاقة عضوية. تلك هي الحلقة المفقودة في المنطق الروسي.

لا شكّ ان هناك ما يدعو الى البحث عن تسوية سياسية في سوريا في ظلّ ما بات «داعش» يشكله من خطر على الأمن في الشرق الأوسط وفي اوروبا. لا حاجة الى تأكيد انّ «داعش» اثبت مدى خطورته بعد تفجير طائرة الركّاب الروسية في الجوّ وبعد تفجيرات برج البراجنة في بيروت… وبعد «غزوة باريس».

ثمّة حاجة الى اقتلاع «داعش». ولكن هناك ايضا حاجة الى التواضع قليلا بدل الهرب من الواقع المتمثّل في ان لا فائدة من اي بحث جدّي في شنّ حرب على «داعش» بوجود النظام السوري.

من يعود قليلا الى خلف، يتذكّر ان «داعش» لم ينمُ ويتمدّد الّا في ظل استمرار الحرب السورية. بقي وجود «داعش»، وما يشبه «داعش» محدودا في بداية الثورة الشعبية في سوريا في اذار ـ مارس من العام 2011 وقبل ذلك. ما غيّر المعادلة اطلاق النظام السوري مجموعات متطرّفة من سجونه في مرحلة معيّنة كان فيها العراق يشكو من ارهابيين يدخلون من الأراضي السورية. بقدرة قادر اطلقت حكومة نوري المالكي، لاحقا، مجموعات متطرّفة كانت في سجن ابو غريب. جاء ذلك بعدما صار المالكي في مرحلة معيّنة تحت السيطرة التامة لطهران. نسي فجأة انّه كان يشكو قبل فترة قصيرة من دور النظام السوري في ارسال ارهابيين الى العراق!

لكنّ العامل الاساسي الذي لعب دورا في تمدّد «داعش»، اضافة الى إستثمار النظامين السوري والإيراني فيه، كان زيادة الشرخ المذهبي السنّي ـ الشيعي اتسّاعا. ازال «داعش»، قبل ان يحتلّ الموصل وتدمر بتواطؤ واضح مع حكومة نوري المالكي ونظام بشّار الأسد، الحدود بين سنّة العراق وسنّة سوريا.

لم يكن «داعش» قادرا على ذلك لولا ازالة الحدود بين لبنان وسوريا من منطلق مذهبي ليس الّا. تدخّل «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الإيراني عناصره لبنانية، الى جانب النظام السوري. لم يأخذ في الإعتبار اي عامل ذي علاقة بالسيادة اللبنانية او بالحدود المعترف بها بين «الجمهورية العربية السورية» و»الجمهورية اللبنانية». صار الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه. هل هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي لا تريد روسيا الإعتراف به والذي باتت تقيم فيه «داعش».

هناك تركيبة معيّنة صنعت «داعش». لا يمكن اعتبار «داعش» غريبا عن هذه التركيبة التي لا يمكن تفكيكها بوجود النظام السوري. «داعش» والنظام السوري توأمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر بأيّ شكل وفي ايّ ظروف.

في حال كان بوتين جدّيا في ايجاد تسوية في سوريا، لا يمكنه الإكتفاء بتقديم ضمانات من تحت الطاولة بأن بشّار الأسد لن يترشّح في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. النظام السوري ليس ورقة يمكن استخدامها في اي مفاوضات تتعلّق بمستقبل سوريا. النظام السوري انتهى منذ اليوم الذي قال فيه مراهقون سوريون لآبائهم انّهم لن يقبلوا الذل الذي قبل به هؤلاء الآباء. هذا كلّ ما في الأمر. انتهى النظام في اليوم الذي لم يفهم فيه بشّار الأسد ان الردّ على التلامذة الذين كتبوا شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» في مدارس درعا لا يكون باعتقال هؤلاء وتعذيبهم واهانة ذويهم الذين طالبوا بهم…

في النهاية، هل تريد روسيا التعاطي مع الأزمة السورية من زاوية تكشف ان موسكو في 2015 ليست موسكو المستعدة في 1977 للتغاضي عن جرائم النظام السوري، بما في ذلك اغتيال شخص مثل كمال جنبلاط، حامل وسام لينين. وقتذاك تجاهل الإتحاد السوفياتي الجريمة ومرّ عليها مرور الكرام من منطلق ان علاقته بدمشق اهمّ بكثير من علاقة تربطه بشخص معيّن، مهما كان هذا الشخص قريبا من موسكو.

لا تُخاض الحرب على «داعش» بمعزل عن المعطيات الإقليمية، بما في ذلك الشرخ المذهبي الذي بات هذا التنظيم يقتات منه. هناك المشروع التوسّعي الإيراني الذي يستثمر في الغرائز المذهبية. هناك ايضا تصرّفات النظامين في سوريا والعراق التي تصبّ في خدمة كل ما له علاقة باثارة السنّة العرب في المنطق. هناك، ايضا وايضا، الميليشيات المذهبية، اللبنانية والعراقية والأفغانية، التي تدعمها ايران والتي لم تؤد تصرّفاتها سوى الى تغذية كلّ ما له علاقة بالتطرّف المذهبي من قريب او بعيد. 

لا ينفع مع «داعش» سوى الكيّ. تكون بداية الكيّ بتحقيق موسكو لاختراق في غاية الأهمّية. مثل هذا الإختراق لا يكون بالتوصّل الى اتفاق لوقف النار على هذه الجبهة او تلك. الإختراق يكون بالإعلان صراحة ان لا مستقبل لسوريا بوجود بشّار الأسد ولا حرب ناجحة على «داعش» ما دام النظام السوري قائما. 

هذا النظام الذي يلفظ انفاسه لم يبق له سوى «داعش». كلّ ما تبقّى تفاصيل ودوران في حلقة مغلقة تفاديا للإجابة عن سؤال في غاية البساطة فحواه هل من امل في بقاء سوريا موحّدة ام كلّ ما هو مطلوب اطالة الأزمة بغية الإمعان في تفتيتها عن طريق التذرع بـ»داعش» من جهة و»شرعية» بشّار الأسد من جهة اخرى؟