في ظلّ القصف الذي تقوم به قاذفات روسية من نوع «توبوليف» تنطلق من قاعدة همدان الإيرانية، يبقى الانتصار الروسي ـ الإيراني في سوريا بعيد المنال. لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا. يمكنهما الانتصار على سوريا لا اكثر. يمكنهما السير في الخط الذي يسير فيه النظام وعنوانه «بشّار او لا احد». لا يستطيع الروسي والإيراني تحقيق اكثر من ذلك. يعود ذلك اوّلا وأخيرا الى انّ الجانبين يعتمدان على نظام غير شرعي مرفوض من شعبه يسعيان الى تمديد عمره الى ما لا نهاية. وهذا شيء مستحيل في نهاية المطاف. لا يمكن الاعتماد على النظام لتحقيق انتصار في سوريا.
في النهاية، لا تستطيع روسيا او إيران الاعتماد على نظام انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة من اجل الحفاظ على مصالحهما في سوريا، علما ان لكل من روسيا وإيران مصالح خاصة بكل منهما قد يكون هناك تناقض بينها. روسيا تريد السيطرة على الأراضي السورية كي تمنع انابيب الغاز الخليجي من المرور فيها وإيجاد قواعد على المتوسط، فيما الهمّ الإيراني من نوع آخر. تريد روسيا، من خلال سوريا، تأمين مصالح ذات طابع اقتصادي من جهة وتأكيد انّها ما زالت لاعبا دوليا من جهة أخرى.
بالنسبة الى إيران، لا تزال سوريا الخاضعة لها ممرا اجباريا الى لبنان والى ما تعتبره الإنجاز الاهمّ الذي حقّقته «الجمهورية الإسلامية» منذ قيامها في العام 1979. هذا الإنجاز هو «حزب الله» الذي بات ذراعا إيرانية تعمل في كلّ المنطقة العربية وحتّى في العالم كلّه، وصولا الى أميركا اللاتينية. ليس «حزب الله» تنظيما يمكن الاستهانة به، خصوصا بعدما تبيّن ان في استطاعته الحلول مكان إيران حيث ترتئي ذلك. يظل اليمن، حيث للحزب دور مهمّ في دعم الميليشيات الحوثية وتدريبها، افضل دليل على ذلك. اكثر من ذلك، ان لبنان الذي يتخذ منه «حزب الله» قاعدة للعمل لمصلحة إيران، ساقط عسكريا. لبنان صار تحت سيطرة إيران بفضل الميليشيا المذهبية التي تمتلكها في هذا البلد. بقاء لبنان ساقطا عسكريا مرتبط الى حد كبير ببقاء النظام في سوريا نظاما علويا يعتمد اوّل ما يعتمد على حماية من إيران بطريقة مباشرة او غير مباشرة، أي عبر الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية. هذا النظام السوري سخّر الأراضي السورية ممرا للسلاح الإيراني الذي يستخدم في عملية تدمير لبنان وفرض وصاية عليه.
من هذا المنطلق، تبحث كلّ من روسيا وإيران عن شرعية غير موجودة للنظام السوري. هذا البحث عن مثل هذه الشرعية يختلف بين موسكو وطهران نظرا الى خلفية العلاقة السورية ـ الروسية من جهة والعلاقة السورية ـ الإيرانية من جهة أخرى.
تعتمد روسيا في بحثها عن شرعية للنظام السوري على تاريخ علاقتها بالجيش والمؤسسات المرتبطة به، فيما تعتمد إيران على الرابط المذهبي، أي على العلاقة القائمة بينها وبين العلويين في سوريا، اي بينها وبين النظام تحديدا بصفته العلوية، وليس بالضرورة مع الطائفة العلوية. فالطائفة العلوية في سوريا لا تزال، في مجملها، تنظر بحذر الى العلاقة مع إيران التي فشلت في محاولاتها المستمرّة لتشييع العلويين في منطقة الساحل السوري.
هل يمكن لروسيا إيجاد شرعية لنظام قام أساسا على انقلاب عسكري «بعثي» قاده في العام 1963 ضباط من مشارب مختلفة، بينهم سنّة، فيما ليس امام إيران سوى تغيير طبيعة المجتمع السوري وطبيعة المدن السورية، من منطلق مذهبي، كي يبقى النظام تحت رحمتها.
ستفشل روسيا مثلما ستفشل إيران، لا لشيء سوى لانّ المؤسسة العسكرية السورية التي تراهن عليها موسكو انتهت منذ زمن طويل، فيما ستظل إيران عاجزة عن تغيير طبيعة سوريا، مهما اشترت، عبر واجهات لها، من الأراضي ومهما عملت على تهجير سكان احياء معيّنة من ارضهم، اكان ذلك في دمشق وجوارها وفي حمص وحماة… ومهما جنّست عراقيين ولبنانيين. تفعل ذلك من اجل خلق خلل في التوازن السكاني في مناطق تعتبرها إيران مناطق استراتيجية بالنسبة اليها.
لا يمكن تجاهل انّ نسبة 76 في المئة من سكان سوريا هم من اهل السنّة. يرفض هؤلاء أي مصالحة من ايّ نوع مع نظام جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية واذلّهم بكل الوسائل المتاحة منذ ما يزيد على أربعة عقود.
استثمر النظام السوري منذ اللحظة الاولى لقيامه في بث الرعب في صفوف المواطنين وفي البناء على حلف الأقليات بنواته العلوية. تحكّم هذا الحلف بالجيش والأجهزة الأمنية التي كان يتجسس كلّ منها على المواطن العادي وعلى الاجهزة الأخرى. مثل هذا النوع من الانظمة لا يمكن ان يدوم الى ما لا نهاية ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء مؤسسات شرعية في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.
اين الشرعية التي يتشدق بها المعلقون الروس، ومعظمهم من الديبلوماسيين المتقاعدين الذين ما زالوا يستخدمون اللغة الخشبية نفسها التي كانت تستخدم ايّام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. لو كانت هذه اللغة الروسية التي تعتبر بشّار الأسد رئيسا «منتخبا»، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق!
ايّ شرعية تتحدث عنها إيران غير شرعية نظام اختزل سوريا في طائفة ايّام حافظ الأسد، فيما اختزلها بشّار الأسد في عائلة هيمنت على كلّ مقدرات البلد تحت شعارات فارغة من نوع «الممانعة» و»المقاومة».
نعم، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا بغض النظر عن درجة التنسيق مع إسرائيل وبغض النظر عن الانكفاء الأميركي. يمكن تفتيت سوريا ولكن لا يمكن تحقيق انتصار في سوريا. يمكن الانتصار على سوريا والوصول الى مرحلة تقسيم للكيان بغية ضمان المصالح الإيرانية والروسية.
العنصر الجديد الذي طرأ اخيرا هو عنصر قديم. انّه العنصر الكردي الذي لا يمكن تجاهله نظرا الى انّه بات رهانا أميركيا، إضافة الى انه بات وسيلة لجعل تركيا اقلّ حماسة لدعم الثورة السورية. دخول هذا العنصر على خط الازمة السورية المستمرّة منذ خمس سنوات ونصف سنة، صار عاملا لخلق مزيد من التعقيدات لا تصب سوى في مسار إطالة الحروب السورية بما يقود الى تقسيم البلد بعد تفتيته. هل من خيار آخر امام روسيا وإيران لضمان مصالحهما في هذه الأرض السورية؟