كُتِب الكثير عن مواقف إدارة الرئيس الأميركي أوباما من الأزمة السورية منذ نشوبها عام 2011، أو بالأحرى عن “لا مواقفه” التي حوّلتها وخلال أربع سنوات ونصف حرباً أهلية – مذهبية طاحنة، وساحة لحرب إقليمية بالواسطة بين إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، ولصراع أو ربما “لشدِّ حبال” دولي قوي قطباه الأساسيان الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. وستستمر الكتابة عنها أو ربما ستزداد بعد التدخُّل الروسي العسكري المباشر في سوريا قبل أسابيع. وقد تتضمن الكتابات تكراراً لمعطيات ومعلومات وتحليلات وتوقُّعات، لكنها لا بد أن تتضمّن أشياء جديدة ومفيدة تلقي بعض الضوء على الأسباب الفعلية للموقف الأميركي أو لغيابه.
انطلاقاً من ذلك أرى من واجبي إطلاع القرّاء على تقويم باحث أميركي لـ”الموقف السوري” لبلاده، ولانعكاسات سياستها على دول هو متخصِّص فيها إذا جاز التعبير على هذا النحو. وقد اطَّلعت على بعضه منه مباشرة قبل مدة قصيرة.
ماذا في هذا التقويم؟
يقول فيه أولاً إن سبب التدخُّل الروسي العسكري المباشر في سوريا عدم امتلاك إدارة أوباما “استراتيجيا سورية” وسياسة تنفيذية لها. فهو لم يُرِد أن يكون جزءاً من الحرب في سوريا ولا أن تكون له علاقة مهمة فيها مباشرة ومداورة. وهو لا يزال على موقفه. ترك أمرها لحلفائه في المنطقة مثل السعودية وتركيا وقطر. علماً أن “الجيش السوري الحر” المعتدل تأسس في سرعة، وكان يحتاج لكي يباشر “المقاومة” أو العمل العسكري إلى أسلحة وعتاد عسكري، لكن أوباما لم يقدِّم له شيئاً. طبعاً حاول الحلفاء المذكورون التعويض عن “الغياب الأميركي”، ولكن ليس بواسطة “الجيش الحر” فانفرط عقده أو تعرّض لانقسامات عدة وخفَّت فاعليته وفقد أهميته العسكرية الأساسية. واعتمد كل من هؤلاء في مقاومة الأسد أو في مواجهته على حلفائه الإسلاميين، وحققوا انتصارات مهمة لعل أبرزها وأكثرها وضوحاً للعيان تشليح هؤلاء الرئيس الأسد نحو 80 في المئة من الجغرافيا السورية. علماً أن الموضوعية تقتضي الإشارة إلى أن “إرهاب” الإسلاميين المتشددين وخطره قد يكون أيضاً أحد أسباب تمسُّك أوباما بعدم توريط بلاده وتحديداً “عسكرها” مباشرة بالحرب في سوريا.
ويقول فيه ثانياً إن سياسة أميركا منذ أواخر سبعينات القرن الماضي كانت قائمة على قاعدتين مهمتين. الأولى عدم عودة الاتحاد السوفياتي (وريثته الآن روسيا) إلى الشرق الأوسط بعدما أخرجها الرئيس الراحل أنور السادات من مصر في صورة دراماتيكية وماسة بالدور والهيبة والكرامة. أما الثانية فهي احتواء الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أسسها الإمام الراحل الخميني بعد ثورته الدينية – الشعبية الناجحة على النظام الشاهنشاهي عام 1979. والإنصاف يقتضي هنا الاعتراف بأن أميركا فشلت في المحافظة على القاعدتين المشار إليهما. فموسكو عادت إلى المنطقة سياسياً وبهدوء من خلال علاقة جيدة مع طهران وتحالفية مع دمشق، وكرّست عودتها بـ”طبل وزمر” عسكريين قبل أسابيع من خلال سوريا.
ويقول فيه ثالثاً إن التدخُّل العسكري الروسي حصل. لكنه ليس كبيراً ولا خطيراً ولا يهدِّد الأمن القومي الأميركي على الأقل حتى الآن. بضع طائرات حربية نفّاثة وطائرات هليوكوبتر وبوارج حربية بحرية. والدافع إليه كان تزايد خشية الرئيس الروسي بوتين أن ينهار الأسد بخسارته على نحو مفاجئ حتى مناطق سيطرته (الـ20 في المئة). وقد عزّز الإيرانيون خشيته هذه بلقاءات في موسكو بقيت بعيدة من الأضواء. في أي حال ما هو ثابت لدى أميركا والعالم عموماً هو أن الأسد شجّع “الدولة الإسلامية” “داعش”، “فعملت” معه نظراً إلى عدم تعارض مصالحهما أو تناقضها، وبذلك ازدادت خطورة الوضع السوري كثيراً.
ويقول فيه أيضاً إذا ذهب الروس في سوريا أبعد من حماية الأسد من الانهيار في مناطق سيطرته فإن أميركا لن ترسل قوات عسكرية إليها. وهذا أمر محسوم. لكن حلفاءها وبموافقتها سيجعلون السلاح يتدفّق على التنظيمات التي تقاتل النظام كلها، وساعتها تقع روسيا في وضع استنزافي لا نعتقد أن بوتين يريده، لكن لا أحد يعرف.
ماذا عن مصر وسوريا في رأي الباحث الأميركي الخبير نفسه؟