IMLebanon

مأزق روسيا وايران في سوريا

مسؤول أوروبي معني مباشرة بالملف السوري أوضح لنا “ان التطور الجديد المهم في مسار الأزمة السورية ان المسؤولين الروس والايرانيين الحلفاء الاساسيين للرئيس بشار الأسد باتوا يدركون انهم يواجهون مأزقاً مزدوجاً في سوريا: فهم عاجزون عن انقاذ نظام الأسد وضمان بقائه، خصوصاً انه خسر المواجهة، وعاجزون في الوقت عينه عن وقف حرب الاستنزاف التي تورطوا فيها وانجاز أي تفاهم مع أميركا والسعودية والدول المؤثرة الأخرى من غير اخراج الأسد والمرتبطين به من السلطة”. وقال: “أياً يكن مضمون الاتصالات والمشاورات واللقاءات المتعلقة بسوريا ومصيرها، فإن الدول الغربية والعربية والإقليمية المؤثرة وفي مقدمها أميركا والسعودية وتركيا تتحرك على أساس اتفاقها على المسائل الرئيسية الآتية:

أولاً، لن تستطيع روسيا وايران وحدهما وقف الحرب وايجاد حل سياسي للأزمة من غير التعاون والتفاهم مع أميركا والدول الحليفة لها والمتمسكة بضرورة رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة وبناء نظام جديد مختلف جذرياً عن النظام القائم. وقد عجز الروس والايرانيون في السنوات الأخيرة عن فرض بقاء الأسد وتركيبة حكمه على الآخرين وبات مستحيلاً تحقيق هذا الهدف الآن وقت يواجه النظام الهزائم في معظم المناطق وقد أفلتت سوريا من قبضته.

ثانياً، ليست سوريا دولة حليفة للغرب بل انها حليفة لروسيا وايران. وقد فشل الروس والايرانيون، على رغم الدعم الهائل الذي قدموه للنظام، في وقف الحرب ووضع حد لتدمير البلد والحفاظ في الوقت عينه على الأسد وتركيبة حكمه. وهذه هزيمة سياسية – استراتيجية حقيقية لهم، وهم يعترفون بذلك ضمناً في محادثاتهم مع الدول المؤثرة الأخرى.

ثالثاً، يستطيع نظام الأسد مواصلة القتال، لكن حربه يائسة ويدفع ثمنها السوريون جميعاً، إذ انه فقد القدرة على الانتصار واستعادة حكمه وزمام الأمور، وبات في وضع ليس ممكناً فيه انقاذه عسكرياً أو سياسياً أو ديبلوماسياً أياً تكن قدرات حلفائه. والواقع ان الأسد عبء حقيقي على الروس والايرانيين إذ انه ليس قادراً على منحهم أي انتصار وهو في المقابل يحدّ من قدرتهم على عقد الصفقة المناسبة مع الدول الأخرى المؤثرة.

رابعاً، تمسك أميركا وحلفائها بضرورة رحيل الأسد وانهاء حكمه ليس مجرد شعار بل مرده الى عاملين اساسيين: الأول ان النظام هو المسؤول الرئيسي عن تفجير الحرب التي الحقت بسوريا الخراب والدمار الهائلين والكوارث في مختلف المجالات وشردت أكثر من نصف الشعب وأدت الى مقتل وجرح أكثر من مليون ونصف مليون سوري وحولت البلد ساحة خصبة للنشاطات والاعمال الارهابية. وليس ممكناً تجاهل هذه الوقائع في عملية البحث عن حل. الثاني ان وقف الحرب وانقاذ سوريا يتطلبان وجود تركيبة جديدة للحكم تضمن الحقوق المشروعة للغالبية وللأقليات معاً وليس لفئة معينة من السوريين. والأسد خاض الحرب ضد شعبه المحتج وهو يواصل القتال من أجل منع انتقال السلطة الى نظام جديد يحقق التطلعات والأهداف المشروعة لكل مكونات الشعب ويمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم من طريق انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة وشفافة وهو حق حرموه منذ العام 1963.

خامساً، الخطأ الكبير الذي يرتكبه حلفاء النظام هو انهم كانوا يرون، حتى الآن، ان انقاذ الأسد ونظامه اكثر أهمية بالنسبة اليهم من العمل الجدي على انقاذ سوريا وشعبها على أساس صيغة حل متفق عليها مع أميركا وحلفائها تعالج الجذور الحقيقية للنزاع وتعطي الأولوية القصوى لوقف الحرب وضمان مصالح كل مكونات الشعب وتمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بحرية وفي اشراف الأمم المتحدة. وليس ممكناً الحفاظ على نظام الأسد والعمل على انقاذ سوريا في وقت واحد اذ ان وجود النظام بتركيبته القائمة وبأعماله وممارساته وتوجهاته يمنع الحل السياسي الحقيقي الشامل للأزمة وانهاء اكبر مأساة انسانية شهدها العالم منذ اكثر من خمسين سنة”.

وخلص المسؤول الاوروبي الى القول: “يردد المسؤولون الاميركيون والفرنسيون في مجالسهم الخاصة ان الروس والايرانيين لم يعودوا راغبين فعلاً في بذل جهود كبيرة من اجل محاولة انقاذ نظام الاسد لأن هذه مهمة مستحيلة، وهم يبحثون في اتصالاتهم المختلفة عن مخرج مناسب لهم وعن الصيغة التي يمكن ان تحد من خسائرهم وتحقق لهم بعض المكاسب وتوقف الحرب وتحل الأزمة. وهذا الأمر دفع الرئيس باراك اوباما الى التصريح لصحافيين اميركيين بأن روسيا وايران تعتقدان ان أيام نظام الأسد معدودة وهما قلقتان من احتمال انهيار الدولة السورية مما قد يساعد على ايجاد حلّ سياسي”.