الجهد الذي بذلته روسيا لإتمام الاتفاق النووي في طهران كان لافتاً. في ذروة مواجهتها المفتوحة مع الغرب في أوكرانيا، لم تخرج عن الاجماع في مجموعة 5+1. حتى أن الرئيس باراك أوباما بدا ممتناً لموسكو لتذليلها العقبات التي كانت تهدد المفاوضات.
الواضح أن موسكو كانت تخطط لمشاريعها الخاصة في الشرق الاوسط. مشاريع تذهب أبعد من صفقات الاسلحة مع طهران، ورفع العزلة الدولية عنها.
الزخم الروسي الجديد في اتجاه سوريا بدأ عقب انجاز الاتفاق النووي. وتشير التقارير الى أن شحنات الاسلحة براً وبحراً تكثفت مطلع آب. وما يسترعي الانتباه أن التعزيزات العسكرية تزامنت أيضاً مع الحراك الديبلوماسي الروسي في اتجاه المنطقة ومحاولتها تسويق مبادرتها لتحالف اقليمي واسع ضد المتشددين. مثل هذا التناقض يدل على أن الحل السياسي الذي كانت تتحدث عنه موسكو لم يكن جديراً بإرجاء مساعداتها العسكرية للنظام.
تسعى روسيا حاليا الى ضمان مصالحها ومصالح طهران في سوريا بعدما شعرت بأن النظام السوري لم يعد قادراً على ذلك. هدفها كان ولا يزال الحفاظ على نظام صديق يضمن لها الوصول الى الساحل السوري حيث القاعدة الروسية الوحيدة على المتوسط. وجهودها الراهنة ترمي أيضاً الى ضمان مصالح طهران في سوريا وجنوب لبنان. التعزيزات الروسية المباشرة تصب في المناطق الخاضعة لسيطرة طهران، على الساحل الغربي الذي تقطنه غالبية علوية، اضافة الى المناطق القريبة من جنوب لبنان.
عرض القوة الروسية قد يكون الاكبر من نوعه في المنطقة منذ عقود. الخبير في الشؤون الروسية العسكرية في “المجلس الاميركي للسياسة الخارجية” ستيفن بلانك شبه التعزيزات الروسية في سوريا بالوجود السوفياتي في مصر في سبعينات القرن الماضي.
حدود التعاون بين موسكو وطهران في سوريا ترتسم تدريجاً. الثابت أن ثمة تقاطعا كبيرا للمصالح بين الجانبين ومعهما “حزب الله”. موسكو تستفيد من خبرات طهران الموجودة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. والاجواء الايرانية وفرت لها ممرا الى سوريا بعدما ضغطت واشنطن على بلغاريا لإقفال “الطريق السريع” أمام طائراتها. والعراق الذي يستعين بمستشارين أميركيين لمواجهة “الدولة الاسلامية”، حصل ايضاً على مساعدات ايرانية كبيرة وهو يشتري اسلحة من موسكو. لذا فهو ليس في موقع قوي يتيح له منع موسكو من استخدام أجوائه.
تتحرك روسيا وايران في الاتجاه نفسه في سوريا. تصعيدهما في سوريا يدفع النزاع الى مستوى جديد من المواجهة والعنف ويؤذن على الارجح بموجة جديدة من الجهاديين الى سوريا. تُرى هل يكتفي الغرب والعرب بعدّ الطائرات الروسية المتجهة الى سوريا والمراهنة على تغيير ايران سلوكها في المنطقة؟