في الموسم الانتخابي الأميركي، حزب ديموقراطي يتشدّد حيال روسيا ويتودّد حيال ايران، في مقابل مرشّح يمينيّ شعبويّ نزق يحاول، في انعطافة متأخرة جدّاً، أن يستعيد «السويّة الجمهوريّة»، متشدّداً حيال ايران، ومنتقلاً من فجاجة نظرية المؤامرة (داعش بنت اوباما وهيلاري) الى شيء من المعقولية السياسية (التبعات اللامحسوبة لسياسة الادارة الأميركية الحالية التي تترك طهران تسرح وتمرح في مقابل تحجيم غير مضمون على المدى المتوسط والطويل لبرنامجها النووي).
هذا في وقت سبق لاوباما نفسه أن وجه الاتهام لدونالد ترامب، بأنّه يلعب لعبة روسيا في الانتخابات الأميركية، وحصل ترامب قبل ذلك على اطراء وتقريظ من فلاديمير بوتين.
في مقابل هذا السباق الأميركي، بين تشدد حيال روسيا وتودد حيال ايران، وبين تودد حيال روسيا وتشدّد حيال ايران، «تتفركش» روسيا وايران ببعضهما.
في سوريا، نظرت ايران مطولاً الى تنامي الدور الروسي كانتقاص لدورها، لكنها بعد خذلان «حزب الله» والميليشيات العراقية في الشمال السوري، عادت وطالبت روسيا بتكثيف غاراتها، وأعطت الجانب الروسي ورقة ثمينة، وهي استخدام قاعدة همدان الجوية، في تطور استراتيجي غير مسبوق، لكن الايرانيين طالبوا بكتمان أمر همدان، كما شرح وزير دفاعهم، والرّوس اعتبروا ان هذا التطور الاستراتيجي ينبغي أن يصرف فوراً كي يكون له وزن، وذلك من خلال افشائه واستعراضه، والايحاء من ثمّ بأنّ «حلفاً شرق اوسطياً تقوده روسيا» آخذ في التشكّل. هذا لم تحتمله ايران، لا كدولة أمة بحساسية سيادية مزمنة، ولا كنظام حرسي خمينوي يتخوّف بشكل مزمن من أن يتبلور «تيار روسي الهوى» في داخل المؤسسة الحاكمة، شبيه بحكام آسيا الوسطى، ولا، في الحالتين، كطرف معنيّ باستكمال رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عنه. سحبت القاذفات الروسية من همدان، وربما يستعاض عن هذه القاعدة الاستراتيجية بغيرها، انما «بضجيج أقل».
كل من ايران وروسيا تحاولان، بمنطقين مختلفين، اغتنام الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الأميركي. ادارة باراك اوباما تعتبر نفسها أكثر من معنية بالتشدّد مع موسكو الآن أكثر من قبل، في حين لا تزال تبحث في عوائد تكثيف العمل الأميركي – الايراني المشترك ضد «داعش» في العراق، أملاً بالظفر بنتيجة «مبهرة»، واذا أمكن من بوابة الموصل، عشية الانتخابات.
واذا كان استبعاد روسيا التام من الالعاب البارا-اولمبية (لذوي الاحتياجات الخاصة) التي ستجري في الريو أيضاً الشهر المقبل، فُسّر روسياً، وفي الاعلام الغربي، على انه رسالة غربية سلبية جديدة تجاه موسكو كدولة «مارقة» تتعاطى المنشطات، من بعد تقليص حجم مشاركتها في «الأولمبياد»، فان خارطة التوتر بين موسكو وكييف سجّلت انزياحاً خطيراً في الأيام الأخيرة: فبعد ان كان خط التوتر على جبهة الدونباس، في الشرق الاوكراني، بين الانفصاليين الموالين لروسيا وبين حكومة كييف، عاد مركز التوتر صوب القرم. موسكو تتهم اوكرانيا بتسليح وتوجيه ميليشيات تستهدف الروس في القرم، واوكرانيا والغرب ينددان بنشر نظام دفاع صاروخي روسي في القرم.
أما على الجبهة التركية، فانّ كل يوم يمضي على محاولة الانقلاب الفاشلة، سيعيد تسطير التنبيه الى ان هذا البلد عضو أساسي في «حلف شمال الأطلسي»، وان المصالح العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، بما فيها النووية، مرتبطة بقاعدة انجيرلك الجوية. المفارقة التي تضاف على ذلك الآن، أن النظام السوري يعود الى محاربة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، وتنظيم «داعش» يوجّه رسالة دموية لأكراد تركيا، فيما الوضوح الوحيد لواشنطن في المنطقة صار كردياً، وان يكن باتجاهين مختلفين: دعم زعامة البرزاني في العراق، ومناصرة قوات صالح مسلم في سوريا.
الموسم الانتخابي الأميركي يقترن بحركة استنفار لتناقضات المنطقة والعالم، لكن الحسابات المختلفة، روسية وايرانية وخلافه، من شأنها تعطيل بعضها بعضاً.
الولايات المتحدة هي أكثر الديموقراطيات عراقة ومتانة، لكن المفارقة أنّ فترة احتدام الانتخابات الرئاسية، الطبيعية الاعتيادية فيها، تبدو في اقليمنا وفي العالم، خصوصاً في هذه اللحظة، بمثابة حالة «فراغ انتقالي» غير مأمونة عواقبها في الكثير من بلدان العالم.
