كتب العزيز حازم صاغية بالأمس نصًّا لمّاعاً عن «فائض النقص» الذي يحرك الروس خارج حدودهم.. وقارب أمر «الاستعمار» الروسي هذا في جملته من زاوية كونه استثنائيًّا وذا ميزة خاصة به.. أي انه يشبه ما يمكن تلخيصه مجدداً بالمصارع المدرّع لكن بمعدة خاوية!
وفي ذلك يصحّ الاستدراك قليلاً (أو كثيراً!) خصوصاً لدى مقارنة روسيا بإيران مثلاً! والدولتان حليفتان وتقاتلان معاً في سوريا، انطلاقاً من تقاطع مصالحهما فيها راهناً.
وذلك الاستدراك يعني أن القصور الروسي في المجالات التنموية والسياسية والحداثية الخاصة ببعض تقنيات العصر، لا يعني قصوراً عاماً في الشأن الابداعي العلمي وغير العلمي في مختلف النواحي.. وإلا لما كانت روسيا هي ما هي عليه في الصناعة العسكرية خصوصاً، من دون أن يجانب ذلك، دقة التوصيفات التي عرضها حازم، والتي تجعل (في الاجمال) حجم اقتصاد هذه الروسيا أقل من حجم اقتصاد دولة مثل اسبانيا، على ما قال أحد المسؤولين الأميركيين قبل أيام، فيما هي دولة، يفترض أن تكون بحكم خاماتها وثرواتها وقدراتها ومؤهلاتها موازية اقتصادياً (على الأقل) لأكثر من نصف أوروبا!
لكن إذا كانت روسيا تتحرك خارجياً على وقع «فائض النقص»، فإن ايران تتحرك على وقع فائض التطرف المصاحب لنقص أبعد مدى و«أصدق إنباء» من المثال الروسي! ولائحة المقارنة أكبر من ان تختصرها عجالة سريعة، ولكن لا يمكن اغفال واقعة عريضة مفادها أن الطموحات المحركة للجموح الإيراني، أكبر من واقع ايران وإمكاناتها و«ابداعاتها» و«فتوحاتها» العلمية والتصنيعية، ومن بنيانها التنموي.. ولا تتلاءم في الواقع سوى مع خصوصيات الذات المذهبية والقومية. ومع الافتراض بأن العودة الى الماضي السحيق و«أمجاده» لا تكون سوى باعتماد القوة وتفاصيلها وملابساتها وطقوسها وليس باعتماد أي وصفة تليق بالعصر وآلياته وعولمته وعلومه وفنونه وصناعته وفضائياته واتصالاته وآدابه!
يمكن الجامح الروسي أن يستند في سعيه التوسعي الى شيء تصنيعي علمي ملموس، ولا يمكن إغفاله. وأن يرفد ذلك بهوامش تعبئة دينية لا تزيد ولا تُنقص في القرار السياسي شيئاً.. لكن الجامح الايراني يفعل العكس تماماً: يستند أساساً الى التعبئة الدينية ويرفدها بادعاءات «علمية» لا تقنع أحداً، وخصوصاً في شؤون الصناعات العسكرية، ومن أصغرها الى أكبرها ومن أسهلها الى أعقدها!
.. صاحب القرار الروسي «يقلّد» حليفه الايراني (الراهن؟) في اعتماد الدين كأحد الأسلحة الإحيائية، فيما صاحب القرار الإيراني يقلّده في الادعاءات «العلمية». والاثنان في ذلك، مدّعيان الى حدود ما كانت لتزعج أحداً، لولا أن ادعاءاتهما تلك تكمل أسباب نكبة المنطقة وشعوبها!