لقد أعلن عن نية الملك سلمان زيارة روسيا في وقت قريب ولا شك في ان محادثاته مع الرئيس بوتين سوف تشمل قضايا النفط واسعاره، كما موضوع التوصل الى حل سياسي في سوريا.
بالنسبة الى موضوع النفط، أصبح من الواضح ان انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الذي كان السبب الرئيسي لانخفاض اسعار النفط بقوة وبسرعة، يتجه الى الانخفاض. فهذا الانتاج الذي رفع سقف الانتاج النفطي الاميركي بما يساوي 3,5 – 4 ملايين برميل يومياً، انخفض خلال عام 2015 بما يساوي 700 الف برميل يومياً، وهنالك مؤشرات لكون هذا الانتاج مرشحاً للانخفاض بقوة في 2016، وذلك لثلاثة اسباب رئيسية:
السبب الاول يتمثل في معدلات كلفة انتاج النفط الصخري في مناطق انتاجه الاساسية. فكلفة انتاج البرميل في المنطقة الاكثر انتاجاً هي على مستوى 42 – 50 دولاراً للبرميل، وكلفة الانتاج في المنطقة التي تحوز ثاني اكبر احتياط توازي 70 – 80 دولاراً للبرميل.
ان انتاج النفط الصخري يستوجب تعويض انتاج غالبية آباره بنسبة 30 في المئة سنوياً الامر الذي يفترض تكثيف اعمال الحفارات الخاصة بنفط صخور الطفال، وقد تدنى عدد هذه الحفارات بنسبة 30 في المئة عام 2015 ويمكن اعتبار انخفاض اعداد الحفارات والعاملين في مجال انتاج النفط الصخري السبب الثاني لتوقع انخفاض هذا الانتاج.
السبب الثالث الذي لم يظهر بقوة حتى تاريخه هو المديونية المرتفعة لشركات انتاج النفط والغاز الصخري. فهذه المديونية تبلغ 1,2 تريليون دولار، والبنوك الاميركية الكبرى التي تحمل غالبية الديون بدأت قيوداً احتياطية لهذه الديون التي اصبحت تعتبر معرضة للشك. والاحتياطات التي اخذت بها المصارف الكبرى عن الديون تجاوزت الـ50 مليار دولار عام 2015، ومن المعلوم ان تراكم الديون غير المسددة في تواريخ استحقاقها هو ككرة الثلج يتعاظم بسرعة. لقد انتحر رئيس شركة كبيرة في مجال انتاج النفط الصخري بعدما افلست شركته وكانت تنشر نتائج تظهر أرباحاً تفوق المليار دولار سنوياً.
ان هذا الوضع ينذر بأزمة مالية حقيقية في الولايات المتحدة اذا لم تتحسن اسعار النفط وتسمح بتحقيق أرباح ملحوظة وخصوصاً للشركات العاملة في مناطق تدنو فيها كلفة الانتاج من 42 – 50 دولاراً للبرميل. وفي تقديرنا أن سعر الـ50 دولاراً قد يؤخر تفجر الازمة المالية وللولايات المتحدة مصلحة أكيدة في ذلك، ومن أجل تذكير القراء بما حصل عام 2008 حينما تفجرت الازمة المالية العالمية التي لا تزال تتآكل القدرة على النمو المجدي في الاتحاد الاوروبي وتحول دون تحقق نمو مستمر في الولايات المتحدة، نشير الى ان حافظة بنك ليمان براذرز التي تسببت بانفجار الازمة المالية العالمية كانت على مستوى 640 مليار دولار، أي ما يزيد قليلاً على نصف رقم التسهيلات المصرفية المتعثرة لشركات نفط وغاز الصخور.
في المقابل، إن بلدان انتاج النفط الاهم خارج الولايات المتحدة هي السعودية وروسيا، وصادرات البلدين وانتاجهما أكبر لكن الاستهلاك الداخلي مرتفع – يبلغ نحو 15 مليون برميل يومياً أي ما يوازي 16 في المئة من حجم الاستهلاك العالمي.
وانخفاض الاسعار تسبب بخسائر كبيرة في الدخل سواء للسعودية أو لروسيا. والسعودية تواجه في موازنة السنة الجارية عجزاً يبلغ 98 مليار دولار، وروسيا واجهت تقلصاً في حجم دخلها القومي وازى نسبة 4 في المئة عام 2015 وخسر الروبل أكثر من 50 في المئة من سعره للصرف ازاء الدولار، وكلا البلدين يواجهان نفقات حربية مرتفعة. والامر اللافت ان روسيا والسعودية يواجه نفقات لأطراف متقاتلين في ما بينهم في سوريا، وهذا الامر ربما دفع البلدين الى تقارب سياسي اوثق يسهم في احلال السلام في سوريا، وهذا الأمر أصبح مطلوباً بإلحاح لدى دول الاتحاد الاوروبي التي تعاني تدفق اعداد المهجرين وحاجاتهم الملحة من الكساء والغذاء، وبعد وقت قصير التعليم والعناية الصحية.
قبل نحو شهر أعلن عن اتفاق بين روسيا، والسعودية والكويت وقطر على تجميد انتاج النفط الانتاج على المستوى الذي بلغه في هذه الدول بتاريخ 2016/1/31.
والنتيجة التي ظهرت تدريجاً، ارتفاع سعر برميل النفط من 28 دولاراً للبرميل الى ما يساوي 40 دولاراً للبرميل، وارتفاع الدولارات الـ12 لكل برميل يمثل نسبة 42 في المئة. والسؤال يطرح لماذا هذا الارتفاع ما دام الانتاج لم يُخفّض، والجواب ان استهلاك مشتقات النفط ارتفع أكثر من التقديرات السابقة لان أسعار المشتقات، سواء للمنتجات الضرورية للتدفئة، أو السفر، أو الانتقال انخفضت بشكل شجع بصورة مباشرة وغير مباشرة على زيادة الطلب.
الدولارات الـ12 التي تحققت تعني في حال استمرارها ان الدخل لكل من روسيا والسعودية من تصدير النفط ارتفع بما يساوي 180 مليون دولار يومياً. والسؤال هو ماذا يكون الوضع اذا قرر الملك سلمان، والرئيس بوتين، تجاوز التزام قرارات “أوبيك” وخفض الانتاج يومياً بما يساوي 1,5 مليون برميل؟
ليس هنالك أي شك في ان خطوة كهذه تؤدي حتى بعد احتساب وقع زيادة انتاج ايران500 الف برميل يومياً يمكن ان تصدر منها على الاكثر 400 الف برميل لان حاجاتها الداخلية مرتفعة، الى زيادة سعر النفط الى مستوى 50 – 55 دولاراً للبرميل، وهذا المعدل تتوقعه منظمة “أوبيك” لنهاية هذه السنة.
يعني هذا الامر ان حجم صادرات روسيا والسعودية ينخفض بنسبة 10 في المئة، في حين يرتفع دخل كل منهما من التصدير بما يساوي 25 في المئة أو يزيد في حال ارتفاع السعر الى 55 دولاراً، وفي حال ارتفاع السعر الى 60 دولاراً للبرميل تتبخر توقعات المحللين الغربيين تفشي التذمر في البلدين ومواجهتهما مشاكل اجتماعية واسعة.