في اليوم التالي للتصريح الفظ لوزير الخارجية الروسي٬ وهو جالس إلى جانب وزير الخارجية القطري يعلن فشل لقائهما حول تصنيف الجماعات الإرهابية من التنظيمات السورية المعارضة٬ قتلت طائرات حربية٬ يعتقد أنها روسية٬ زعيم جماعة «جيش الإسلام»٬ في الغوطة الشرقية بدمشق.
وسواء أكانت الهجمة مرسومة من قبل موسكو لفرض مطالبها بالقوة٬ بعد فشل الاجتماع٬ أم لا٬ فإن الحادثة قُرئت في هذا الإطار. روسيا تريد أن تكون من يقرر مسار الحرب والمفاوضات في سوريا. وقد أبدى الروس عزمهم على فرض رأيهم بالمفاوضات واستعراض العضلات٬ بمضايقتهم تركيا وتخفيض نفوذها في سوريا والعراق٬ وكذلك الضغط على دول الخليج٬ وتحدوا الأميركيين الذين تراجعوا سريًعا وقبلوا بالتنسيق تحاشًيا للتصعيد.
وقد يكسب الروس الجولة الحالية٬ بفرض المشروع الروسي الإيراني باستمرار بشار الأسد رئيًسا٬ وقبلها فرض تصنيفهم للتنظيمات الإرهابية التي ستحرم من مفاوضات فيينا٬ وفرض من يسمونها بالمعارضة المعتدلة٬ وهي واجهات لنظام الأسد ومقربة من إيران٬ وكذلك فرض صيغة الحل السياسي المقبول. موسكو تريد أن تكون صاحبة القرار في شأن النزاع السوري٬ فهل ستقدر على تحقيق ذلك؟
إذا كانت مستعدة لدفع أثمان كبيرة والاستمرار في هذه المغامرة٬ ربما تستطيع أن تكون المرجعية لمستقبل الحكم في دمشق٬ ولحين. تريد أن تفعل ما فعلت الولايات المتحدة في العراق٬ فهي صنعت وفرضت مشروًعا سياسًيا٬ ومع أنه يقوم على حكم ضعيف٬ لا يزال موجوًدا على الأرض. الروس لسبب غير مفهوم لنا٬ إلا في إطار صراع تنازع النفوذ مع الغرب٬ يستثمرون كثيًرا في مشروع الحكم في سوريا٬ وتعميق التحالف مع إيران.
وغير مفهوم كذلك٬ استهدافهم جماعة «جيش الإسلام»٬ خاصة أنها ليست مرعبة مثل «داعش» الإرهابية٬ ولا تمثل نفوًذا سياسًيا كبيًرا مثل تنظيم «الجيش الحر الوطني» المعتدل. وقد جعل الروس منها قضية٬ بقتل قائدها زهران علوش٬ ذات أصداء سياسية واسعة.
«جيش الإسلام»٬ كجماعة٬ عرفت فقط قبل عامين٬ واشتهرت بجرأتها على إعلانها محاربة «داعش» أيًضا٬ ونجحت في الاستيلاء على مناطق تسيطر عليها في محيط العاصمة دمشق. بل٬ وقبل عامين٬ كانت تتلقى تأييًدا من القوى الغربية ودعًما خليجًيا٬ قطرًيا على وجه الخصوص.
هذه الجماعة نجحت في بناء قوة٬ تقول إنها نحو 15 ألف مقاتل٬ أكثر انضباًطا. أما إخفاقاتها فهي أنها استمرت كتنظيم يقوم على مفهوم ديني٬ في وقت معظم القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للمعارضة السورية تفضل دعم القوى المعارضة الوطنية٬ على اعتبار أن سوريا بلد مختلط الأعراق والأديان٬ ومن دون تأييد دولي قد لا يكون لها مستقبل في الحل السياسي.
طبًعا٬ هناك من يريد دعم الجماعات الإسلامية المسلحة٬ على اعتبارها تستنهض العداء لنظام الأسد الذي هو الآخر طائفي علوي. وترى أنه في سياق الصراع الطائفي مع إيران٬ وهيمنة القوى الدينية الشيعية على الحكم في العراق٬ واستمرار هيمنة حزب الله الشيعي في لبنان٬ فإن وجود جماعة٬ بل جماعات٬ سنية مسلحة ضرورة مرحلية. عيوب هذا المفهوم٬ أنه يمنح إيران ما تريده؛ تمزيق خريطة المشرق العربي طائفًيا٬ ونقل الأزمة إلى منطقة الخليج٬ وفي نفس الوقت لن يحقق لسوريا الحكم السياسي المستقر.
دفع المنطقة نحو المزيد من الاضطراب٬ من سوريا شمالاً وحتى اليمن جنوًبا٬ لعقد زمني آخر٬ سيخدم سياسة إيران القديمة والمستمرة بتصدير الأزمة للجوار.
فهل تعتقد روسيا أنها ستربح من التحالف مع إيران٬ في مثل إصرارها على تثبيت حكم الأسد المتهاوي٬ أو أي بديل مواٍل لطهران؟ لا أدري كيف سيربحون من وراء معاداة معظم الدول العربية وشعوبها!
تقليدًيا٬ الروس ليسوا أعداء لدول المنطقة٬ لكن كما نرى من تورطهم في سوريا٬ أصبحوا هدًفا للغضب العربي على المستويين الرسمي والشعبي.