Site icon IMLebanon

روسيا.. من الدعم العسكري في سوريا الى الدفع السياسي

تقاطعت ردود الفعل على اعتبار ان اعلان روسيا، المفاجئ والمدوي، سحب الجزء الرئيسي من قواتها من سوريا، يوفر زخما للحل السياسي الذي يمر حاليا بمرحلة مفصلية نجاحا او فشلا. فقد حققت اهداف تدخلها الرئيسية، كما انها لا توافق بشار الاسد على مواقفه التصعيدية الاخيرة منتشياً بالانجازات العسكرية التي حققها في ظل الغطاء الجوي الروسي.

فمن وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى نظرائه الاوروبيين والعرب تتقاطع الآمال بان تدفع الخطوة الروسية «الايجابية» مفاوضات جنيف. فمثلاً، لقد اعتبرها كيري افضل فرصة لإنهاء الحرب لتضافر ثلاثة عوامل: صمود الهدنة، الانسحاب الروسي، وانطلاق المفاوضات. وقوّمها نظيره السعودي عادل الجبير كـ«خطوة ايجابية نأمل ان تسرع وتيرة الانتقال السياسي»، كما رأى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا انها تطور مهم جدا آملا ان يكون له وقع ايجابي على تقدم المفاوضات.

تزامن اعلان فلاديمير بوتين الانسحاب مع انطلاق المفاوضات برعاية اممية، وأرفقه بتعليمات لوزير خارجيته سيرغي لافروف عن ضرورة تكثيف الجهود للوصول الى حل سياسي متوازن. 

وقد اتى الانسحاب الروسي بعد تحقيق اهداف عدة منذ تدخله للمرة الاولى بدءا من آخر ايلول الماضي. فقد أنقذ نظام الاسد الذي هدده وصول المعارضة الى تخوم العاصمة دمشق. ولم يكن الهدف التمسك بشخص الاسد، وفق مصدر ديبلوماسي قريب من الدوائر الروسية، وانما الحفاظ على نظام يؤمن المصالح التي كانت تقتصر على قاعدة بحرية في طرطوس اضيفت لها قاعدة جوية في حميميم في ريف اللاذقية. كذلك الحدّ من التكاليف المالية الباهظة. 

وعبر التدخل العسكري المفاجئ كما الانسحاب بتوقيت مميز، فرضت موسكو نفسها لاعبا رئيسا في الشرق الاوسط وممسكا وحيدا بالخيوط السورية، وكرست عودة لافتة الى الساحة الدولية بعد العزلة التي فرضت عليها جراء الازمة الاوكرانية.

اما الهدف المعلن للتدخل الروسي والذي اختصرته موسكو بالقضاء على الارهاب ممثلا بـ«داعش» و»النصرة» فهي لم تسع فعليا لتحقيقه، كون غاراتها استهدفت خصوصا الفصائل المعتدلة، وهي تنسحب قبل تنفيذه كاملا. 

واضافة الى ذلك تعوّل موسكو على حل سياسي يمكن انجازه قبل انقضاء ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي شكلت سياسته الانسحابية من المنطقة ابرز عوامل النجاح الروسي، وذلك خشية تغيير اساسي مع خليفته. كما تأمل نيل مكاسب من السعودية عبر رفع اسعار النفط بما يساهم في تقليص معاناتها الاقتصادية، ومن الاميركيين عبر رفع العقوبات التي انهكتها ماليا.

وثمة تناقض واضح بين الموقفين السوري والروسي. فقد اعتبر الاول الخطوة «منسقة» فيما اكد الثاني انها اتت بقرار ذاتي صرف، وانها لا تهدف الى ممارسة الضغوط على الاسد، وهو ما عزاه المصدر الى محاولة انقاذ ماء وجه الرئيس السوري لا غير.

وبدا واضحا ان التفاهمات الاميركية- الروسية تتعارض مع رغبات الاسد الذي استبق المفاوضات بإعلانه منذ منتصف الشهر الماضي ان الحل السياسي لا يأتي الا بعد استعادة كامل السيطرة، والذي وُوجه فورا بانتقاد روسي علني على لسان سفير روسيا في الامم المتحدة فيتالي تشوركين الذي اعتبره موقفاً لا ينسجم مع الجهود الروسية. وقد عارض الاسد دون جدوى الهدنة التي بدأت في 27 شباط بتوافق اميركي ـ روسي واعلن عزمه اجراء انتخابات نيابية الشهر المقبل، خلافا لمقتضيات القرار الاممي 2254 الذي يشكل اساس التفاوض في جنيف وينص على تشكيل حكم تمثيلي جامع غير طائفي، وعلى وضع دستور جديد، وانتخابات في غضون 18 شهرا. ومؤخرا اعلان وزير خارجية النظام وليد المعلم ان بقاء الاسد بصلاحياته المطلقة خط احمر والتشدد بان محور التفاوض هو حكومة وحدة وطنية تضم اطيافا معارضة لا هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التي تتمسك بها المعارضة.

وبانتظار تبلور خلفيات واهداف الخطة الروسية بوضوح تام يبقى السؤال عما اذا كان الاسد سيبقى مغردا خارج سرب التسوية لاهثا خلف تحقيق حلم استعادة السيطرة على كامل الارض السورية.