روسيا الاتحادية التي كانت أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الذي تفكك إلى جمهوريات٬ لعبت دوًرا كبيًرا في نشر الأمن والسلم العالميين٬ عندما كانت عاصمة للدولة العظمي المسماة بـ(الاتحاد السوفياتي) في عالم القطبين بعد الحرب العالمية الثانية٬ ونشأت عصبة الأمم المتحدة في ذلك الوقت٬ وتمكنت روسيا (الاتحاد السوفياتي السابق) من أن تساهم في حفظ السلم والأمن العالميين؛ وذلك بسبب التوازن العسكري والنووي مع القطب الثاني وهي أميركا٬ ودافعت عن كثير من الشعوب التي كانت تناضل لنيل استقلالها ومنها بعض الشعوب العربية٬ ولم تسمح لأميركا بأن تكون هي اللاعب الوحيد على الساحة العالمية٬ وبغض النظر عن الآيديولوجيا التي كانت تتبناها٬ فإنها كانت نًدا قوًيا لأميركا٬ وكانت هذه المرحلة هي مرحلة الحرب الباردة.
وكذلك كانت روسيا (الاتحاد السوفياتي سابًقا) المنافس القوي لأميركا في مجال التقدم التكنولوجي والعلمي؛ فهي سبقت أميركا في مجال غزو الفضاء٬ عندما أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي في العالم وهو «سبوتنك – 1 «في 4 أكتوبر (تشرين الأول) ٬1957 ثم أكد الاتحاد السوفياتي سبقه عندما أطلق قمره الصناعي الثاني «سبوتنك 2 في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) ٬1957 وكانت أزمة سبوتنك نقطة تحول في الحرب الباردة بدأت في 4 أكتوبر ٬1957 هذا الحدث أثار صدمة في الولايات المتحدة وسميت هذه الأزمة باسم «سبوتنك»٬ حيث اعتقد السياسيون في ذلك الوقت هناك بالتفوق الأميركي في أبحاث الفضاء وعلوم الصواريخ٬ لكن هذا السبق الذي حققه السوفيات٬ أثبت خلاف ذلك.
وقدمت روسيا للعالم زعماء تركوا بصماتهم على تاريخ العالم وتطوره الصناعي والتكنولوجي٬ حيث حقق الاتحاد السوفياتي وقتها خلال العقد الرابع من القرن العشرين وعلى يد القائد جوزيف ستالين نهضة صناعية ضخمة٬ ونمًوا اقتصادًيا غير مسبوق من خلال انتهاج سياسة اشتراكية البلد الواحد٬ وما تلاها من خطط اقتصادية وتصنيعية ُعرفت على مستوى العالم باسم الخطط الخمسية؛ مما أحدث نقلة آيديولوجية كبيرة في السياسة السوفياتية.
ولم تكن عودة روسيا الاتحادية اليوم إلى الساحة الدولية كما كانت هي عليه في ذلك الوقت٬ حيث إن الدور الذي تلعبه روسيا اليوم لتعيد إمبراطوريتها بصفتها دولة عظمى٬ هو دور يسبح ضد نضال الشعوب في تقرير مصيرها٬ وما تدخلها لمساعدة النظام الديكتاتوري السوري وقصفها للمدنيين والأمنيين في سوريا٬ إلا أكبر دليل على ذلك. إن التوُّسع المذكور خلق مشكلات أساسية لروسيا٬ ووضعها في نزاعات مع قوى خارجية عدة٬ وجعلها تحكم شعوًبا غصًبا عن إرادتها٬ وها هي اليوم تخرق القانون الدولي٬ حيث قامت القاذفات الروسية الاستراتيجية التي انطلقت من قاعدة همدان الجوية الإيرانية التي تقع قرب العاصمة طهران لتضرب في العمق السوري٬ وهي أكبر دليل على خرقها القوانين الدولية التي وّقعت عليها.
وإذا كانت روسيا تظن أنها بتدخلها في قضايا العرب وتحالفها مع إيران والميليشيات الشيعية والحوثيين يمكن أن تستعيد دورها دولة عظمى٬ فهي واهمة٬ وذلك يكشف عن أن روسيا لم تتعظ بما حدث لها في المستنقع الأفغاني٬ وإذا ما استمرت روسيا في المراهنة على الجواد الخاسر بدعم نظام الأسد٬ فهي بذلك تنزلق إلى مستنقع ثاٍن أسوأ من المستنقع الأفغاني.
حًقا إن التاريخ يعيد نفسه من جديد؛ فما حدث لروسيا في أفغانستان يتكرر اليوم في سوريا٬ وكما قال الفيلسوف الألماني جورج هيغل «إن الشيء الوحيد الذي نتعلّمه من التاريخ٬ هو أنه لا أحد يتعلم شيًئا منه». إن الظروف لتتشابه بين الماضي والحاضر٬ فعند بداية التدّخل السوفياتي في أفغانستان عام 1978 قام السوفيات بإرسال 400 مستشار عسكري لتقديم الدعم لحكومة «حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني» التي ثار ضدها الشعب الأفغاني بعد أن أصدرت تلك الحكومة قوانين غّيرت من عادات الزواج وإصلاح الأراضي٬ الإصلاحات لم تلق إعجاًبا من قبل السكان المتمسكين بتقاليدهم وبدينهم الإسلامي٬ ثم في عام 1979 أرسل الاتحاد السوفياتي الجيش استجابة لطلب سابق من الحكومة الأفغانية. والجيش يتكّون من وحدة مجوقلة٬ ووحدة هجوم٬ وفوجين من القوات بآليات ذات مدافع رشاشة. وبين الماضي والحاضر٬ أميركا تتفرج على ما يحدث (للاتحاد السوفياتي) هل يتعظ بوتين بدرس أفغانستان أم يصر حتى يصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها من الخروج من المستنقع السوري؟ هذا ما ستكشفه لنا الفترة المقبلة.