لا دور يتقدم على الدور الروسي في سوريا. ولا أحد نجح مثل موسكو في اللعب مع الجميع وأحيانا على الجميع. فوزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو، لا وزير الدفاع السوري، هو الذي يعلن انتهاء المواجهات المباشرة بين القوات النظامية والمعارضة المعتدلة. وزميله وزير الخارجية سيرغي لافروف هو الذي يخوض المعركة على الجبهة الديبلوماسية للحرب، ويتدخل في الشكل والجوهر بالنسبة الى محادثات جنيف: من تمثيل المعارضة الى جدول الأعمال المتروك نظريا للموفد الدولي ستيفان دي ميستورا. وهما معا يعملان بأوامر الرئيس فلاديمير بوتين واشرافه لتحقيق الأهداف المرسومة ضمن خطة استراتيجية متكاملة على المسرح السوري والمسرح الشرق أوسطي والمسرح العالمي.
لكن المواجهات لم تنته بعد، والطيران الروسي يشارك في بعضها برغم الوعد الذي أعطي لفصائل المعارضة المسلحة في محادثات استانة. والتعثر في ضمان الوقف الشامل للنار وترتيب آليات مراقبته بين روسيا وتركيا وايران اشارة واضحة الى المصاعب على طريق جنيف وداخل قاعات المحادثات. واذا كان التباين ظاهرا بين أجندات الحلفاء في موسكو ودمشق وطهران، والخلافات عميقة بين أنقرة وكل من طهران ودمشق، فان اكتمال الرهان الروسي يتوقف على التعاون مع أميركا.
ولا شيء يبدو مضمونا في الرهان. فادارة الرئيس دونالد ترامب لم تكتمل بعد. ولا تزال تتلمس طريقها في الداخل والخارج من دون خارطة طريق ولا استراتيجية. والحماسة لدى ترامب وفي الادارة لصفقة مع بوتين اصطدمت بالمصالح الحيوية الأميركية التي تحرسها الاستبلشمنت. وآليات الضبط والتوازن في النظام الأميركي أربكت ترامب وأجبرت مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين على الاستقالة بسبب الاتصال الروسي. وأعضاء الكونغرس الجمهوريون قبل الديمقراطيين يطالبون بالتحقيق في فضائح عدة أعطيت في أميركا عنوان روسيا غيت. وهكذا بدا وزير الخارجية الحامل وسام الصداقة الروسية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس متشددين في العلاقات مع موسكو ويحاولان تطمين الأوروبيين الى ان واشنطن استعادت سياسة اليد العليا.
فضلا عن ان الضروري عند الجنرال شويغو وهو وضع خرائط فصل الارهابيين عن المعتدلين ليس سوى خط واحد بين خطوط فصل متعددة. فالأرض، حسب الخارطة العسكرية، موزعة بين النظام وفصائل المعارضة المعتدلة وداعش وجبهة فتح الشام والكرد والأتراك والايرانيين وحلفائهم، فضلا عن الروس والأميركيين. وهذا آخر ما يقود الى تسوية سياسية.
لكن موسكو تستعجل البحث عن تسوية تحتاج اليها لإكمال ما ربحته في الحرب. والادارة الأميركية مشوشة. والمشهد على الأرض معقّد بأكثر من تناقض المصالح. ولا أحد يعرف متى تنتهي الحرب، وكيف تكون التسوية التي ترسم مستقبل سوريا.