يبدو أنّ الدول الكبرى لا تتعظ بعِبَر التاريخ ولا تقرأه، وإذا قرأت فلا تتعلم.
درس أميركا في الڤييتنام لم يكن كافياً لهم، لذلك عادوا فكرروا الغلطة في أفغانستان والعراق.
وبشكل أسوأ، فإنّ أكلة الرز بهدلوا أكبر دولة في العالم وأكبر قوة في العالم، ولقنوها درساً كان يفترض أنها لن تنساه على الإطلاق.
بعد 11 أيلول 2001 عادت الخمرة تسكر الاميركيين، وفائض القوة عند بوش ورعونته دفعاه الى الحرب على أفغانستان على أساس القضاء على «القاعدة» و»طالبان» ولكنه لم يقدر… فانسحبت الولايات المتحدة الاميركية من هناك انسحاباً غير مشرف.
وفي العراق جاء بوش للقضاء على «القاعدة» ولمصادرة أسلحة الدمار الشامل ولتعميم الديموقراطية!
فماذا كانت النتيجة؟
1- «القاعدة»
لم يكن هناك من «قاعدة» في العراق كما يعترف الاميركيون اليوم متأخرين، ولكن بعد الغزو صار «القاعدة» في العراق منتشراً انتشاراً كبيراً، بل صار أيضاً «داعش» وأقام دولته هناك.
2- الديموقراطية
أين الديموقراطية في العراق؟ الدولة غائبة والنظام مفقود ومسلسل القتل والدمار لا يتوقف.
3- سلاح الدمار الشامل
لقد ثبت يقيناً أنّ بوش وإدارته كانا يعرفان أن لا سلاح دمار شاملاً في العراق بدليل ما كتبه مدير المخابرات السابق «جورج تنيت» في مذكراته من أنه أبلغ بوش مباشرة بعدم وجود أي نوع من أسلحة الدمار الشامل أو السلاح الكيمياوي في العراق.
أما بالنسبة الى روسيا فهي أيضاً لم تتعلم من الدرس الذي تلقنته في أفغانستان… سنوات عديدة سقط فيها للجيش الروسي مجموعة من الضباط والجنود… ولكن من دون جدوى، فلم تستطع روسيا أن تستمر واضطرت الى الانسحاب مهزومة ومعها النظام الشيوعي الذي نصّبته في هذا البلد الاسلامي.
وها هي روسيا تقع مجدداً في فخ مماثل… إنّه الفخ السوري، بالرغم من أنها أعلنت يوم تورطها في الحرب السورية بأنها غير مهتمة بالنظام السوري إنما هي مهتمة بالدولة واستمراريتها.
ومن يعتقد أنّ الدول الكبرى لا تكذب هو واهم، فمن أسف الكذب يستخدم حسب الغاية… وكل ما حققته روسيا حتى الآن في سوريا أنها ثبّتت نظام الحكم الذي كان على شفير الانهيار، علماً أنّ السلام كان ممكناً أن يعم سوريا بسقوط هذا النظام المجرم فتعود سوريا دولة حرة ديموقراطية مستقلة.
وللتذكير كانت روسيا قد وضعت خطوطاً حمراً ومنها، بل في طليعتها حلب، وبسبب ذلك مُنَي الايرانيون وقوات «حزب الله» وقوات النظام المجرم بخسائر كبيرة…
ويبدو أنّ التفاهم الاميركي – الروسي قائم على تكاذب مشترك، فهذا يكذب على ذاك والعكس صحيح.
حاولت روسيا من خلال تغيير قواعد اللعبة تحسين شروط النظام في المفاوضات، وقد نسيت موسكو أو تناست أنها تحارب في سوريا الشعب السوري الذي يقدّم يومياً قرابين من لحم ودم أمام آلة الموت التي يستخدمها النظام تحت ذريعة محاربة الارهاب.
والسؤال الذي يطرح ذاته: خمس سنوات والجيش السوري بدلاً من أن يقف أمام العدو الاسرائيلي في الجولان المحتل، هو يقتل الشعب السوري بمساعدة ودعم الجيش الايراني مباشرة أو تحت مسمى الحرس الثوري، ومعه «حزب الله» الذي مهمته الأساسية محاربة إسرائيل وليس قتل الشعب السوري… وأيضاً الميليشيات الشيعية من بلدان عدة…
يبدو أنّ الجميع لا يتعلمون ولا يريدون أن يتعلموا ما قاله الشاعر التونسي:
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر…»
كل ما يجري في سوريا هو قتل الشعب وتدمير البلد بذرائع لا يتقبّلها العقل، ولو ذهبنا أبعد لرأينا «حزب الله» وإيران وبشار الأسد الى القيصر بوتين يعملون جميعاً من أجل مصلحة إسرائيل لأنها المستفيد الوحيد مما يجري في سوريا والعراق وليبيا… وأمّا المتضرر فهو الشعب العربي في مختلف أقطاره وبلدانه بعناوين وذرائع مختلفة.
وبنظرة بسيطة: هذه الدولة العظمى التي هي روسيا مضى على تورطها في الحرب سنة كاملة تقريباً وهي غير قادرة على السيطرة على حلب!
فهل أصبحت حلب ستالينغراد؟
نعود لنسأل القيصر الجديد بوتين: هل مشاركته في قتل الشعب السوري هي في مصلحة روسيا وشعبها؟!. وهل يصدق الشعب الروسي أنّ هذا القيصر يتفق مع الاميركيين على عنوان مزيّف إسمه «محاربة الارهاب»؟!.