لا تُنذر تطوّرات الوضع الميداني في سوريا والجهود الدبلوماسية بأنّ التسوية باتت قريبة، فإتفاق «وقف الأعمال العدائية»، الذي تحقّق جزئيّاً بموجب مساعٍ روسية -أميركية، تلاشى على وقع تصاعد موجة العنف، ولا سيما في حلب، ما قوّض الفرص المتاحة لإحراز إتفاق في جنيف، مع دخول الصراع السوري الدامي عامه السادس. إتفاق تُريده موسكو، لكنّها ليست على عجلة من أمرها لنسج خيوطه، في حين إنّ إيران تحاول غضّ الطرف عن سعي روسيا الى الإستفراد بمفتاح الحلّ السوري، بحكم تقاطع مصالحهما الإستراتيجية.
روسيا «لا ترى أنّ محور المشكلة في سوريا هو «جبهة النصرة» أو «داعش»، ففي المرحلة الأولى أرسلت قواتها على الأرض لضمان استمرار نظام بشار الأسد وبقائه.
في المرحلة الثانية وجدت أنّه يصعب إعادة السيطرة على كامل سوريا، فقرّرت مواصلة إهتمامها بالعملية السياسية، والضغط على المعارضة غير الراديكالية وتقوية مواقع الأسد، من خلال تشتيت المعارضة وقواها بين مجموعات عدة»، في نظر الباحث في معهد كارنيغي في موسكو نيكولاي خوزانوف.
ويقول خوزانوف خلال ندوة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت الأربعاء الماضي: «الروس ليسوا في عجلة لتحقيق تسوية سياسية في سوريا، هم يسعون الى إنجاز تسوية قبل رحيل إدارة باراك أوباما، وإذا لم يوفّقوا بتسوية لن يشكّل لهم ذلك أزمة. الأميركيون مُنشغلون في الإنتخابات الرئاسية، وهم غير مستعدين لإتخاذ أيّ موقف جدّي».
ويوضح خوزانوف لـ«الجمهورية» أنّ «الأميركيين لا يريدون تصعيد الوضع في سوريا، والروس لا يعيشون هاجس الوقت، فإذا لم ينجحوا باجتراح تسوية قبل ذهاب أوباما لن يحوّلوا الأمر الى تراجيديا».
ويتابع: «الروس في إمكانهم إبقاء الوضع كما هو عليه، وانتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وهناك فترة طويلة ستحتاج إليها الإدارة الجديدة لدراسة ملفاتها وتمكين وضعها، وبالتالي يعود لموسكو تحديد الوقت للعب الورقة المناسبة».
في الوقت الضائع، ستواصل روسيا ضغطها على المعارضة السورية لاستئناف مفاوضات جنيف مع النظام، ولا شكّ أنّ قوات الأسد سيكون لها موقع مهم في المفاوضات بفعل تفوّقها العسكري في الميدان، واتفاقات وقف النار المحلية كان الهدف منها شرذمة المعارضة غير الراديكالية.
وينفي خوزانوف تركيز الروس على حماية الأسد.
ويقول: «الرئيس فلاديمير بوتين نفسه لا يُحبّ الأسد، وروسيا غير راضية عن أدائه، كونه لم يكن مرناً في التعامل معها، نفوذ الروس محدود في سوريا، وليس لديهم خيار بديل عن الأسد». ويضيف: «الروس لا يريدون أن يستفيقوا يوماً يُغلق فيه حاكم سوريا الجديد الأبواب في وجههم، طالما هم ليسوا واثقين بمستقبل نفوذهم وموقعهم… لن يتخلّوا عن الأسد».
ويؤكّد خوزانوف لـ«الجمهورية» أنّ «التحالف الكامل لموسكو مع طهران لا يُفيدها. فروسيا تحتاج الى التعاون الإقتصادي مع السعودية وإلى علاقات جيدة مع إسرائيل ومصر، وبالتالي فإنّ أيّ تحالف مماثل مع إيران سيُضعف من دور روسيا ونفوذها في المنطقة».
ويذكّر بأنّ الروس مستعدون لمناقشة أيّ دستور لسوريا، حتى النظام الكونفدرالي قد وُضع على طاولة البحث في موسكو، وهم لا يؤيّدون بصراحة قيام دولة كردية، هم يدعمون الأكراد ضمن الحدود السورية، وحفظ الحدود التي رسمتها إتفاقية سايكس بيكو في الشرق الأوسط هو خط أحمر لموسكو.
ماذا لو سقط الأسد؟
على الضفة المقابلة، يحذّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران ناصر هديان من أنّه إذا سقط الأسد، سينهار النظام. ويقول: «لا شك أنّ نظام الأسد نظام سلطوي، لكنّ تماسك السلطة لو سقط يبدو صعباً. من خلال الوسائل الديمقراطية توطيد السلطة لا يمكن أن يحدث. علينا إيجاد طريق».
ويؤكّد أنّه ليس لدى إيران وهم بأنّ الأسد يستطيع حكم سوريا مُوحّدة. ويقول: «السؤال كيف نأتي بخيار لا ينهار فيه النظام وتشكيل حكومة إنتقالية يؤدي الى توطيد السلطة؟»
ويشدّد على أنّه «يجب أن تكون هناك فترة إنتقالية قد تدوم سنين أو أياماً قبل نزع السلطة من الأسد. سوريا يمكن أن تنهار في أسابيع أو أيام. سوريا ستظلّ تواجه المشكلات عينها، وسنكون أمام حرب أشرس مما هو عليه الوضع الآن. المطلوب إيجاد طريقة لإصلاح النظام، والسؤال لا ينبغي أن يكون بقاء الأسد أم لا لسنوات، بل كيف نحافظ على سوريا مُوحّدة».
ويشير ناصر إلى أنّ عدداً من الدول ولا سيما إسرائيل مرتاحة لما يجري في سوريا. ويقول: في خيالهم لا يمكن أن يخططوا لوضع أفضل. السعودية غارقة في خلافها مع إيران. الأميركيون ليست لديهم رؤية مُوّحدة مع الإسرائيليين. ومهما تمّ الضغط على الرئيس الأميركي باراك أوباما فهو لن يتدخل»، مُتسائلاً «لماذا عليه إرسال جنود والمخاطرة بهم؟»
ويُشدّد ناصر على أنّ الولايات المتحدة تتبع سياسة إدارة الفوضى، فطالما يتمّ احتواء الأزمة السورية، ولا تمتد شظاياها لتطاول السعودية والأردن، الأميركيون ليسوا في عجلة لتغيير الوضع القائم.
وينتقد ناصر دول الخليج والسعودية على وجه التحديد، التي تنظر الى إيران على أنّها خطر، ويتهمها بالقيام «بإجراءات ضدّنا مثل خفض أسعار النفط ودعم الجماعات المناهضة لنا».
ويقترح ناصر صيغة للحلّ في سوريا على مستويين، ويعتبرها أفضل من مسار جنيف أو فيينا التفاوضي، وتقضي بتقليل عدد اللاعبين في سوريا. ويقول: «علينا جلب اللاعبَين الدوليَين الأساسيَين أميركا وروسيا والإقليميَين السعودية وإيران، للعمل معاً».
وعن سبب إستبعاد أنقرة، يقول ناصر لـ»الجمهورية» «يمكن إنضمام تركيا إذا أرادت».
على المستوى الأول، يُجرى الحوار بشكل رسمي بين الأطراف الأربعة، لكن لا يُتوقع أن يخرج بموقف مشترك، كون كلّ طرف يُعبّر عن وجهة بلاده الرسمية، ويتمترس خلفها.
على المستوى الثاني، سيتمّ تحقيق الخرق في نظر ناصر، إذا تمّ الحوار على مستوى شخصيات ومؤسسات بارزة ومؤثرة تقوم بتبريد الأجواء، بينها المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية على سبيل المثال. ويُشدّد ناصر على أنّ الوضع في سوريا أكثر منه في اليمن مُرتبط بأمن إيران.
ويتساءل: «حتى لو كانت هنالك انتخابات في سوريا برعاية الأمم المتحدة وربح الأسد ماذا نفعل عندها؟»
ويتابع: «حتى لو فاز الأسد… لن يستطيع أن يحكم. لهذا يجب البحث عن بدائل. قوة الرئيس يجب أن تتقلّص وينبغي تقاسُم السلطة وتحقيق اللامركزية». ويستبعد أن تؤدّي إنتخابات مجلس الشورى الإيراني إلى تغيير جوهري في سياسة بلاده حيال سوريا، وإن حصل أيّ تعديل فلن يتعدّى 15 على 100.
ويقرّ ناصر رداً على سؤال لـ«الجمهورية « أنّه في ما خصّ الوضع في سوريا، «لإيران رؤية مختلفة عن الروس، لكنّ الإختلاف تكتيكي وليس استراتيجيّاً». ويقول: «الإيرانيون يحتاجون الى غطاء جوّي روسي، ويحتاج الروس الجنودَ الإيرانيين على الأرض».
آليات لتقاسُم السلطة
في خضمّ هذا الجدل، يتدخّل الباحث أوّل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ ليصوّب البوصلة. ويقول: «المسألة ليست إنهيار النظام أو لا ومصير الأسد».
ويُذكّر بأنّ النظام وإيران وروسيا يتحدثون عن إنتصار كامل. ويقول: «الأسد قد يبقى في السلطة خلال الفترة الإنتقالية، وقد يترشح الى الإنتخابات، لكن من الصعوبة عودته الى سابق عهده بعد العقوبات الإقتصادية».