لا تزال الأنظار متجهة الى بداية الانسحاب الروسي العسكري الجزئي من سوريا، والى الأبعاد والتداعيات التي يحملها.
وتكشف مصادر ديبلوماسية انه في الآونة الأخيرة، برزت بوادر خلاف بين الروس من جهة، والنظام السوري وإيران من جهة ثانية، حول استمرارية الأعمال العسكرية الروسية، فضلاً عن مواقف يتخذها النظام من دون التنسيق مع موسكو.
وتكشف أيضاً ان النظام لم يعد يستمع الى المواقف الروسية بالنسبة الى حل الأزمة السورية. وانه يتحدث على عكس مواقف روسيا. كذلك انه يريد أن يستكمل الروس دعمهم العسكري له، لكي يستعيد السيطرة على كل سوريا. وليس من مصلحة الروس أن يكونوا «ماكينة» لدى النظام السوري لكي يكملوا له حربه، في وقت لم يعد يسمع النظام ما يقوله له الروس. وكان لافتاً أن السفير الروسي في مجلس الأمن غينادي تشوركين يرد على الرئيس السوري بشار الأسد حول انه سيحصل على كل سوريا. ثم كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم حول ان النظام خط أحمر، الذي رد عليه الروس أيضاً. الخلاف كان واضحاً، لكن المفاجئ انه لم يكن أي طرف دولي يتوقع ان الخلاف سيؤدي الى الانسحاب المفاجئ.
من الأسباب أيضاً التي أدت الى الانسحاب عدم قدرة الروس على تحمّل التكلفة العالية للانخراط في الحرب السورية، وعدم قدرتهم على تكبّد التمويل، في ظل عقوبات دولية ووضع اقتصادي صعب يواجهونه. وكان من المعروف منذ البداية أن التدخل الروسي العسكري لا يمكنه البقاء الى ما لا نهاية في سوريا. لكن بالنسبة الى روسيا، التدخل حقق أهدافه. واستطاع النظام الصمود حتى الآن. وقد أمّن الروس للنظام ما هو أساسي لحماية المنطقة العلوية. لكن يصعب عليهم توفير كل سوريا له.
كذلك، هناك سبب آخر، وهو أن روسيا باتت تريد تحسين علاقاتها مع الأميركيين ومع الغرب، بعد الصعوبات التي تواجهها من جراء عقوباتهم على خلفية الموضوع الأوكراني. الرئيس الأميركي باراك أوباما اتخذ قراراً بعدم مقابلة الروس. وهذا ما كان يزعج الروس.
الآن تسعى روسيا لكسر عزلتها الدولية بعد إدراكها أن هذه العزلة لن تفيدها. مع أن الأوربيين كانوا منقسمين بين معارض لعزلة روسيا وغير معارض. داخلياً استطعت روسيا في سوريا اضعاف المعارضة المعتدلة، كما حسّنت شروط التفاوض للنظام. فضلاً عن انها قتلت أعداداً كبيرة من الشيشان الذين كانوا يقاتلون في صفوف المتطرفين في سوريا. وروسيا لم تحارب «داعش». والآن تريد موسكو أن تعود الى المجتمع الدولي كشريك لا غنى عنه.
كانت روسيا وفقاً للمصادر، مستعجلة للخروج من سوريا، لذلك كانت تقصف من دون تمييز. ومشاركة روسيا في الحرب السورية كان لها وجه آخر، وهو اظهار الاسلحة المتطورة التي استعملتها في رسالة الى الدول التي تريد شراء الاسلحة، بأنه يمكنها ذلك، لأنها حديثة تقنياً، ويهم روسيا ايجاد زبائن للأسلحة في ضوء الازمة الاقتصادية التي تعانيها. مع الاشارة الى تأثير انخفاض اسعار النفط على اقتصادها.
في المبدأ، الدخول الروسي الى سوريا ادى الى صمود النظام حتى الآن، وخروج روسيا سيفيد المعارضة لكن ليس من الواضح حتى الآن حجم ومدى اخراج روسيا لقواتها من سوريا، وما اذا كانت هناك رغبة بالعودة الى التدخل في حال واجه النظام مخاطر بالسقوط. وما اذا كانت هناك ضمانات والتزامات دولية اقليمية بالعمل خارجياً لإبقاء الوضع السوري على الارض كما هو حالياً اي لا غالب ولا مغلوب، واذا ما كان النظام، سيقدم تنازلات في مفاوضاته في ضوء الخروج الروسي، ام لا، مع ما يؤدي إلى استفادة المعارضة في حال تم ذلك.
النظام يعتبر وفد المعارضة ارهابياً ولا يريد التفاوض معه، والنظام انتقد الموفد الخاص للأمم المتحدة لحل الازمة السورية ستيفان دي ميستورا لأنه يتحدث دائماً عن انتخابات رئاسية، وهذه النقطة بالذات كانت محور معارضة روسية للنظام بسبب انه اي النظام يدخل في عملية سياسية ويقول عكس ذلك.
لكن ايران و»حزب الله» يسيران مع النظام بالمنطق ذاته. كان هناك امل بأن تتخذ ايران الموقف الروسي ذاته، وتوقف مشاركتها في القتال في سوريا. الا ان كل المعطيات تشير الى ان ايران تريد ان تقاتل، لكن روسيا تضغط لإنجاح التفاوض.
وتلفت المصادر، الى ضرورة الانتظار بعض الوقت لمعرفة ما اذا كان سيحصل تغيير جوهري في الموقف الروسي، لاسيما في مجلس الامن. في جلسة مجلس الامن حول الصواريخ الباليستية، لم يرضَ الروس مع غالبية الدول اعتبار عمل ايران في التجربة الاخيرة، مخالفاً للقرار 2231، على اساس ان هذا القرار يتمنى على ايران ولا يلزمها بشيء، ما يعني ان روسيا لا تزال تحمي ايران في مجلس الامن. وما يعني ايضاً انه من المبكر لأوانه التحدث عن تغير جذري في موقف روسيا.