IMLebanon

تأثير الاتفاقية الدفاعية الروسية – الكورية الشّمالية على الاستقرار العالمي

 

 

لقد شهدت الآونة الأخيرة توقيعاً لاتفاقية شراكة استراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية، وقد أثارت هذه الاتفاقية قلقاً دولياً كبيراً وتساؤلات حول تداعياتها الجيوسياسية. حيث تشمل الاتفاقية تعهدات بالدفاع المشترك والتعاون في مجالات متعددة، مما يعيد إلى الأذهان تحالفات حِقْبَة الحرب الباردة ويزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي.

1. السياق التاريخي والمعاهدات السابقة بين البلدين:

في عام 1961، وقّعت كوريا الشمالية معاهدة دفاع مشتركة مع الاتحاد السوفياتي تضمنت دعماً عسكرياً متبادلاً؛ لكن هذه المعاهدة أصبحت لاغية مع تفكك الاتحاد السوفيتي، واستبدلت باتفاقية أخرى مع روسيا عام 2000 لم تتضمن نفس مستوى الالتزام العسكري. أما الاتفاقية الجديدة فإنها تعيد إحياء الالتزامات السابقة المتعلقة بالدفاع المشترك ولكن بتفاصيل غير معلنة كلياً.

2. عودة إحياء تحالفات حقبة الحرب الباردة:

بموجب الاتفاقية الدفاعية الروسية – الكورية الجديدة، تتعهد كل من روسيا وكوريا الشمالية بالدفاع المشترك عن بعضهما البعض واستخدام كل الوسائل المتاحة لتقديم المساعدة العسكرية الفورية حال نشوب حرب؛ وهذا الاتفاق يُعيد تشكيل السياسة الروسية تجاه كوريا الشمالية بشكل جديد، ويعكس عُمق العلاقات بين البلدين في ظل تصاعد التوترات مع الغرب.

3. التعاون في المجالين العسكري والتقني:

إن تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين تشير إلى عدم استبعاد تطوير التعاون العسكري الفني مع كوريا الشمالية بموجب الاتفاق الجديد؛ وهذا التعاون يُقلق الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تعزّز كوريا الشمالية قدراتها الدفاعية والنووية بدعم من روسيا. أضف إلى أن التعهد بالمساعدة المتبادلة يُثير المخاوف من زيادة الدعم الروسي لحرب كوريا الشمالية، مما سيُعقّد الجهود الدولية لكبح جماح البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ.

4. ردود الفعل الدولية:

أثارت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية ردود فعل قوية من الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة كوريا الجنوبية واليابان، الذين يرون فيها تهديداً لأمنهما الإقليمي. ولهذا، حذّرت كوريا الجنوبية من أن اتفاقية الدفاع المشترك السابق ذكرها، قد تُستخدم كذريعة لتقديم مساعدات عسكرية متبادلة تُعرّض أمن المنطقة للخطر، خصوصاً بعدما صرّح بوتين أنه سيعزّز قدرات كوريا الشمالية العسكرية ويحمي سيادتها، مما دفعها لتستجدي ضمناً الحماية الأميركية المباشرة هناك.

كما دعا وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشو تاي يول، المجتمع الدَّوْليّ إلى إدانة تصرفات موسكو وبيونغ يانغ، مؤكداً أن أي دعما يعزّز القدرات العسكرية لكوريا الشمالية يُعدّ انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدَّوْليّ. وكذلك، انتقد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية واعتبرها دليلاً على يأس روسيا لتعزيز علاقاتها مع الدول التي يمكن أن تزوّدها بالمواد اللازمة لحربها في أوكرانيا.

5. التحذير الكوري الشمالي:

إن التحذير الكوري الشمالي الشديد اللهجة للولايات المتحدة، الذي أكد على استعداد كوريا الشمالية لاتخاذ إجراءات ساحقة وهجومية ضد أي تصعيد عسكري أميركي عليها، جاء كالصاعقة على أميركا وكوريا الجنوبية وسائر حلفائها، لا سيما أنه أتى في ضوء محاولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن استمالة الصين في أثناء زيارته لها لممارسة ضغوط على بيونغ يانغ، ولأنه تزامن أيضاً مع جهود واشنطن لتعزيز التزاماتها بالدفاع عن كوريا الجنوبية، بما في ذلك التزامها بالردع الممتد لاستخدام كل قدراتها العسكرية.

6. الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية للاتفاقية:

إن اتفاقية التعاون الروسية – الكورية الجديدة، لا تقتصر على التعاون العسكري والنووي فقط، وإنما تشمل مجالات أخرى أيضاً مثل استكشاف الفضاء والأمن الغذائي، حيث تسعى كوريا الشمالية إلى الحصول على مساعدة روسية لتخفيف نقص النفط، فيما تسعى روسيا بدورها للاستفادة من العمالة الكورية الشمالية الرخيصة لسدّ النقص في القِوَى العاملة الروسية الباهظة، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا.

7. التحوّلات الجيوسياسية:

إن التعاون الجديد بين روسيا وكوريا الشمالية يعكس تحوّلاً كبيراً في المواقف الجيوسياسية، فبينما كانت روسيا تتهاون سابقاً مع رغبات المجتمع الدَّوْليّ بفرض العقوبات الأممية على كوريا الشمالية، فإنها من الآن فصاعداً ستقوي من موقف بيونغ يانغ في مجلس الأمن، ذلك أنّ هذا التحالف الدَّوْليّ الجديد من شأنه أن يعزّز التحدي المباشر للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ويشير إلى رغبة هذين البلدين مع الصين ودول آسيوية وشرق أوسطية عديدة، في تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

8. دلالات زيارة بوتين إلى فيتنام:

بعد توقيع روسيا للاتفاقية الدفاعية مع كوريا الشمالية، توجه الرئيس بوتين إلى فيتنام لتعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية مع هانوي، على الرغم من تطوير فيتنام لعلاقات جيّدة مع واشنطن، إلّا أن موسكو ترغب بتوسيع تحالفاتها العسكرية الاستراتيجية مع حليفتها التقليدية فيتنام، وإن كانت هذه الزيارة لم تثمر نتائجها كثيراً مقارنةً بتفاهمات بيونغ يانغ السابق ذكرها.

9. أبعاد التعاون العسكري والتقني بعد إبرام الاتفاقية:

 

إن الاتفاقية الدفاعية الجديدة فتحت الباب لتعاون عسكري وتقني أوسع بين روسيا وكوريا الشمالية، بينما يظلّ من وجهة نظرنا المتواضعة، من غير المحتمل أن تدعم موسكو زيادة القدرات النووية لبيونغ يانغ، نظراً لخطورة العقوبات الدولية التي قد تلحق بها من جرّاءِ هذه الخطوة، ولكن بكل تأكيد فإن التعاون في مجالات أخرى مثل تطوير الأسلحة الجوية التقليدية والصواريخ الباليستية والأنظمة الدفاعية يبدو مرجحاً، لا سيما أن الخبراء العسكريين يشيرون إلى أن روسيا ستستفيد من هذا التعاون لتعزيز موقفها العسكري في أوكرانيا.

10. دور الصين في المعادلة:

تراقب الصين التطورات عن كثب، رغم عدم تغييرها لمواقفها المعلنة المنتقدة للتجارب النووية والصاروخية لكورية الشمالية، لتجنّب مخاطر العقوبات الدولية عليها. ولكن الصين تدعم حكماً الاتفاق من تحت الطاولة، لا سيما نتيجة قلقها الدائم من احتمالية قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتقديم مزيدٍ من الدعم لانفصاليي تايوان، في ظل تعزيز وجود أميركا العسكري في المنطقة، مما يهدّد أمن بكين، أحد أهم اللاعبين العالميين على الساحة الدولية.

علاوة على ذلك، تمتلك الصين علاقات استراتيجية قوية مع كوريا الشمالية وروسيا على جميع الأصعدة، وهذا ما يمكّنها من لعب دور هام على الساحتين الإقليمية والدولية.

11. مدى احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة:

في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة شبه الجزيرة الكورية وأوروبا الشرقية، تؤثر الاتفاقية الدفاعية الروسية – الكورية بشكل مباشر على الاستقرار العالمي، مما يثير مخاوف دولية كبيرة من احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة في المرحلة المقبلة، بشكل خاص لأن الاتفاق يعزّز قدرات كوريا الشمالية العسكرية، في ظل التحديات والعقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي، مما يزيد من حدّة التوترات الجيوسياسية في العالم ويؤدي إلى تفاقم الصراعات الإقليمية والدولية.

وبرأيي الشخصي، فإن التوتر المتفاقم بين الولايات المتحدة والصين في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والأمن الدَّوْليّ، سوف يكون من أبرز التحديات التي تزيد من تعقيد التعامل مع الأزمات الدولية، مثل الصراعات في شبه الجزيرة الكورية والحرب الروسية – الأوكرانية، وانعكاساتها على المشهد الجيوسياسي، الأمر الذي يتطلب وصول قيادة أميركية وأوروبية حكيمة، لا تستخف بمخاطر تصعيد المواجهة الحربية مع دول نووية كبرى شديدة الخطر.

 

ختاماً، يمثل توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية تحوّلاً جيوسياسياً كبيراً يعزّز من التحالفات المناهضة للسياسات الغربية؛ في ظل تصاعد الصراع الأميركي – الروسي، مما يتطلب ممارسة الدول المحايدة مزيداً من جهود السلام العالمي، لضمان عدم تصعيد النزاعات والحفاظ على الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ وبشكل خاص لأن تعميق التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية يعيدنا لحقبة الحرب الباردة، ويعزز التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها، من احتمالية نشوب حرب نووية.

وفي النهاية، تظل هنالك حاجة ماسّة إلى وصول رئيس أميركي جديد، تفاعلاته دبلوماسية ومدروسة ليؤمّن تحقيق الاستقرار العالمي المنشود طويل الأمد.