IMLebanon

روسيا زائد تحالف الشراكة في سورية

مما يصح قوله، نفي المفاجأة عن الخطوة الروسية الأخيرة، ومما يجب قوله، أن التمهيد للنقلة العسكرية الروسية تراكمت مقدماته منذ التلعثم السياسي الدولي الأول الذي ظل سمة غالبة على سياسة الولايات المتحدة الأميركية، فكان ذلك كفيلاً بحجب كل سياسة تدخلية وازنة إلى جانب الاعتراض السوري، الذي صار فصائل اعتراضات لاحقاً، وكان التلعثم محفزاً لداعمي النظام وللنظام ذاته، فأدلى الجميع ببياناتهم القمعية الفصيحة.

روسيا اليوم تكرس حقها بالمطالبة بحصة نفوذ في سورية بعد أن لامست حدود الحصص ترسيماً آنياً على أرض الواقع، قد لا تبدل في صورته كثيراً، أو على نحو دراماتيكي ريش الترسيم النهائي وأقلامه. اختيار عنوان تعزيز التدخل في سورية والدخول المكثف على خطوطه، لا يخرج على العنوان الذي بات «قميص عثمان» كل الفاعلين في الشأن السوري، هكذا ضمن الروسي، ويضمن حتى إشعار آخر شرعية النشاط القتالي المباشر تحت لواء مقاتلة الإرهاب الناشط فوق الأرض السورية، وفي طليعته تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، الذي نما برعاية التخلي السياسي العام، وبمؤازرة النظام المقفل والعصي على كل إصلاح.

وما أثير من كلام خجول على ألسنة بعض مسؤولي قوى التحالف الدولي، لا يتعدى تسجيل الموقف الذي تبدو غايته الأولى رسم حدود «الاندفاعة» الروسية، وهو بذلك بعيد عن مسألة رفض الدور مثلما هو بعيد عن مساءلته أو عدم تحبيذه. راية التحالف في الموضوع الإرهابي وارفة الظل إلى المدى الذي يحيط بقامة القوات الروسية وبمدى طيران طائراتها.

إذاً، ومن خارج الاستنكار أو الحيرة أو الترحيب، جاء الروسي ليجلس إلى الطاولة كضيف وصلته دعوة موضوعية، أي من طريق غير مباشر فرضت التطورات العامة مساره حتى صار مباشراً. من العادي، عند افتتاح الكلام بالتصريح، أن يعلن الروسي أنه هنا لدعم النظام السوري الذي ما زال موجوداً في الميدان وفي مؤسسات الحكم التي ما زالت شرعية. لا يحيد التصريح الروسي عن الجادة عندما يصنف النظام ورأسه كطرف من أطراف الحوار حول المسألة السورية، بل إن كل ما يفعله هو التأكيد على عدم قدرة أي من أطراف الصراع على حسم وجهة الميدان في صالحه، حسماً واضحاً بيناً لا لبس فيه. حالة عدم القدرة يتقاسمها أهل الفعل في الداخل، وأهل الدعم من الخارج، ولأن الأمر كذلك فلا حرج لدى الروسي اذا ما اعتبر البعض أن ما تبقى من جيش نظامي سوري صار أقرب إلى الميليشيا لناحية العديد والممارسة والانتهاكات، لكنه ما زال الميليشيا الأفضل تنظيماً، والتي تخضع لتراتبية انضباط وولاء لا لبس فيها.

وضعية النظام بحالته الأهلية، جعلته من جهة فاقداً للأهمية الوطنية، أي لمسؤوليته عن عموم الأرض وعموم الشعب، وجعلته من جهة أخرى رهينة المانحين والداعمين الذين بات وجود النظام، أو رأسه بالأحرى، ضرورة سياسية لهم، وبات الوجود فقط هو كل ما يرجوه النظام من هؤلاء المانحين والداعمين. مصلحة ظرفية مشتركة تجمع بين النظام وداعميه إلى أمد قد لا يطول طويلاً، لكن الطريق اليه معبد بالتقلبات والتفاهمات وتبادل الرسائل … والودائع أيضاً.

على أكثر من قراءة صار النظام السوري، ممثلاً برأسه وبالخلية الضيقة المتحكمة به، وديعة لدى أكثر من طرف داعم. يتوزع الداعمون على درجات ومستويات، والتصنيف المعتمد لكل منهم لدى التحالف الدولي الذي يحارب الإرهاب، يساعد على تفسير التأثير والنفوذ المستقبلي لكل طرف داعم على حدة. لعل الروسي لا يستثير حساسية سورية ولا حساسية عربية ولا توجساً غربياً. الروسي اليوم ليس الاتحاد السوفياتي، أي ليس الاشتراكية ولا الشيوعية، والعصر ليس عصر الحرب الباردة التي شهدت صراع الأفكار والسباق إلى السيطرة على مناطق النفوذ، بل لعل الأقرب إلى الواقع أن ما يحصل هو نوع من «العولمة العسكرية» التي يتخلى ضمنها البلد الأكثر تطوراً عن تصنيع بعض المنتجات، فيعهد بها لغيره، وعليه ربما يعهد التحالف الدولي إلى شريك يسعى إلى حصة في العولمة العسكرية، مع ما يلحقها من ميزات اقتصادية وسياسية تفاضلية، وهذا الأمر يلقى رغبة وحماسة لدى الروسي الذي ما زال يتمسك، ربما بالحنين الى لعب دور الدولة العظمى.

لا تتحدث روسيا العربية. لا تعمل روسيا بواحد من أحكام المذاهب الخمسة الكبرى. لهذا وذاك، لا تستطيع روسيا أن تكون داخلاً ضمن الدواخل العربية. هذا الامر الأخير تستطيعه إيران، لذلك قد نجد التحالف مفتوحاً ولو مداورة للشريك الروسي، وقد يظل غير مفتوح في شكل واسع أمام الطامح الإيراني، وقد يلقى الهوى الروسي هوى لدى أبناء الضاد، أولئك الذين لم تساعدهم طهران على تجاوز «صعوبة تعلم» اللغة الفارسية. من يدري؟!