قياساً ببلد معني على نحو مباشر بكل تداعيات الوضع السوري وانعكاساته وبعض افرقائه منخرط في الدفاع عن النظام السوري فيما يخشى خصومه من اي امكان لتأمين استمراره في اي حل للانعكاسات السلبية التي يرتبها ليس على بلده فحسب بل ايضا على لبنان، لم تصدر اي تعليقات عن السياسيين في لبنان حول ما يثير الاهتمام الغربي في الدرجة الاولى من تعزيز روسيا وجودها في اللاذقية وجوارها، فيما عبر الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا الى بيروت ليعبر منها الى دمشق من اجل لقاء الرئيس السوري واركان نظامه للبحث في مبادرته التي يفترض ان التطورات الروسية وضعتها على الرف. فبالنسبة الى سياسيين عايشوا الحرب في لبنان وكانوا جزءا منها وشهدوا على تدخلات مختلفة من التدخل السوري الذي تحول احتلالا ووصاية رسمية امتدت ثلاثة عقود الى الاحتلال الاسرائيلي الذي وصل الى بيروت والتدخلات الاميركية والفرنسية والعربية في مراحل مختلفة، فإن تعزيز روسيا وجودها العسكري وتدخلها المرتقب تحت عنوان محاربة الارهاب يكاد يشبه التدخل السوري في لبنان. ليس من دولة تتدخل لنصرة او لدعم فريق بمقدار ما تحاول حماية مصالحها وتدعمها او تثبتها متى شعرت انها مهددة فعلا. ومع معرفة سياسيين كثر بالوضع الصعب الذي بات عليه الرئيس السوري والذي من بين مؤشراته اقله بالنسبة الى هؤلاء التخبط في منطقة الزبداني على الحدود مع لبنان جنبا الى جنب مع ” حزب الله” من دون قدرة على حسم الوضع العسكري، فإن التدخل الروسي يبدو معبرا عن تهديد حقيقي شعرت به روسيا لكي تتقدم من اجل حماية مصالحها مباشرة او تخوفاً من ان تطاولها التطورات الميدانية في سوريا. الامر الاخر ان التدخل الروسي بالنسبة الى هؤلاء قد لا يكون معبرا عن وضع الازمة السورية على طريق الحل مقدار ما قد يكون معبرا عن انتقال الازمة الى مرحلة جديدة من مراحل تطورها. فهذه الأزمة التي انطلقت على قاعدة التعبير عن الغضب من النظام والمطالبة برحيله الى حرب اشعلها النظام باستهدافه السوريين واطلاق النار عليهم واعتقالهم شهدت لاحقا دخول ايران بقوة عبر ميليشياتها في العراق ولبنان في الحرب العسكرية الى جانب النظام بعدما شارف على الانهيار والسقوط. وكان الدخول الايراني المباشر على الخط عنوان مرحلة جديدة فساهم في اذكاء الحرب وتسعيرها في ظل تراجع متدرج للنظام من دون القدرة على مساعدته على الحسم. ولذلك، فإن توسيع التدخل الروسي على خط مساعدة الرئيس السوري قد يسلك طريق التمهيد من اجل وضع الازمة على طريق الحل كما قد يشكل عنوانا لمرحلة جديدة تتورط فيها روسيا في الحرب الداخلية السورية خصوصا في حال لم تقنع الولايات المتحدة والغرب لملاقاتها من اجل التحالف ضد “الارهاب” في سوريا كما تقول، ذلك علما ان التحالف الاميركي – الروسي لن يكون كافيا ما لم يحظ ايضا بدعم عربي. اذ كان لافتاً ان تصعيد روسيا بنقل المعدات والاسلحة الى سوريا غداة القمة التي عقدها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز مع الرئيس الاميركي باراك اوباما والتي التزم فيها اوباما علناً بموقف رفض اي دور للاسد في مستقبل سوريا. وتاليا فإن اي تعاون او اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة في حال حصوله لن يمكنه التغاضي عن الحصول على الدعم العربي. وفي حال عدم التقاط الولايات المتحدة دعوة روسيا للتعاون، عندئذ قد تكون روسيا في مأزق ربما ينقل العداء ضدها الى اراضيها مع دعمها للرئيس السوري في وجه السوريين المعارضين الذين يعتبرون النظام ارهابيا فيما التقت روسيا كثيرين منهم على رغم تأييدها لوجهة نظر النظام في منطقه حصر الثورة ضد حكمه بالحرب مع الارهابيين. على ان وضع الولايات المتحدة قد لا يكون اكثر سهولة، لا في ترك روسيا تأخذ المبادرة في سوريا من اجل توحيد الجهود لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية ولا في تجاهل تنامي قدرة موسكو على التحكم ببعض عناصر الحل السوري ومن بينها حفظ دور للرئيس السوري اكثر من قبل مما يصعب من مسار ايجاد الحلول ويعقدها اكثر، وذلك ما لم يكن لدى روسيا مجموعة اهداف غير معلنة قد تتصل بالوضع في روسيا او طموحها لتعزيز ركيزة وجودها في المنطقة وفق ما هو مرجح وهي تسعى الى تحقيقها بتدخلها المباشر اكثر بالوضع السوري.
ما يحفز على الحذر لبنانيا اكثر في مقاربة موضوع تعزيز روسيا تدخلها في سوريا ليس فقط ما يعرفه السياسيون اللبنانيون بالتجربة ايضا من ان تحركات دول كبرى كروسيا او الولايات المتحدة او سواهما قد تكون مدروسة ومخططا لها على نحو مسبق بتفاصيلها واحتمالاتها ونتائجها المفترضة، وان التطورات الميدانية ابان الحروب قد تقلب الاجندات المسبقة رأسا على عقب، بل ايضا ان المسألة قد تحمل اكثر من حجمها باستثناء ما هو واضح في اعطاء زخم للرئيس السوري عبر الدفع نحو التنسيق معه. وهذا الاخير قفز على المناسبة فورا من اجل دعوة المعارضة للانضمام الى جانبه لمواجهة الارهاب كما قال لعل تفسيرها يعد انفتاحا من جانبه على الثوار. لكن الكثير لا يزال غامضا إن في ردود الفعل العربية او الغربية ايضا في انتظار ان تشرح روسيا خطوتها.