بعد إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو منذ نحو أسبوعين عن نيّة القيادة الروسية تغيير العقيدة العسكرية، انطلقت وسائل الإعلام المحلية في سباق باتجاه تحديد العدوّ من الصديق.
أفرَد الإعلام الروسي المرئي والمسموع والمكتوب في الآونة الاخيرة مساحات كبرى للباحثين والمحلّلين بهدف تصنيف الدول التي تبنَّت حزمات العقوبات الغربية ضد روسيا. وقد أجرَت صحيفة «الجريدة الروسية» الإلكترونية استطلاعاً للرأي استندَت فيه إلى خلاصة ما توصَّلت اليه الآلة الاعلامية الروسية في شأن مستقبل العلاقات مع الدول الغربية، وتحديد أسُسِها انطلاقاً من مواقف مسؤوليها تجاه موسكو.
ويؤكّد استطلاع الرأي أنّ العقوبات الغربية المفروضة قد ساعدت غالبية المواطنين الروس في معرفة العدو من الصديق، واللافت أنّ نحو 56 في المئة باتوا يعتبرون ألمانيا في المركز الاوّل أوروبّياً على لائحة الأعداء بعد بريطانيا التي كانت ولا تزال تُصنَّف في خانة العدوّ السياسي التقليدي لروسيا. أمّا على المستوى العالمي، فقد باتت شقيقة الأمس أوكرانيا تشاطر الولايات المتحدة المرتبة الأولى.
لا شكّ في أنّ ألمانيا هي الخاسر الاكبر في هذا التصنيف، إذ إنّ استطلاعات رأي سابقة ما بين عامي 2008 و2011 كانت تشير إلى أنّ برلين هي واحدة من الحلفاء الرئيسيين لروسيا اقتصادياً وسياسياً، ووسيطاً نزيهاً في القارة العجوز في ترتيب العلاقات بين موسكو ودول الاتحاد الاوروبي. أمّا أوكرانيا فقد بقيت متأرجحة على لائحة الرأي العام الروسي منذ ثورتها البرتقالية عام 2004.
على لائحة الأصدقاء، صعدت جمهورية الصين الشعبية الى مرتبة أعظم صديق على مسرح السياسة العالمية، الى جانب الشقيقة الصغرى بيلاروس، وتتبعهما كازخستان ومجموعة دوَل الـ»بريكس»، ولا سيّما منها الهند والبرازيل.
مؤشّرات استطلاعات الرأي هذه، لا بدّ أن تترك أثرَها على سياسة البلاد الخارجية، حتى إنّ السياسيين الروس يؤكّدون أنّها ستكون بوصَلة للحراك السياسي الخارجي لبلادهم في المستقبل، خصوصاً أنّ الهوّة في المواقف بين روسيا والغرب تزداد يوماً بعد آخر على خلفيات ملفّات دولية كبرى ومعقّدة، وفي مقدّمها الأزمتان الأوكرانية والسورية.
ترى أوساط سياسية في مجلس الدوما الروسي أنّ استطلاعات الرأي هذه تعكس مدى الاستياء من النهج السياسي الغربي المتّبع إزاء روسيا على المستويين الرسمي والشعبي، مشدّدةً على ضرورة الاستماع إلى وجهة النظر الروسية في الملفات العالقة دولياً، لكنّها تأسف لأنّ المؤشرات تفيد بأنّ الغرب لا يزال يعتمد أسلوب التصعيد تجاه موسكو، منبّهةً من خطوات تصعيدية محتملة للردّ على المواقف الغربية.
وتعتبر الأوساط أنّ سوريا قد تشكّل بدايةً لانهيار العلاقة مع الغرب، في ظلّ تصاعُد الحديث عن إسقاط النظام السوري، وذلك من خلال ضربات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تحت شعار القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق، وذلك لأنّ موسكو لن تقبل باتّباع سياسة تغيير الأنظمة بأدوات خارجية، ومن دون العودة إلى المؤسسات الدولية المعنية، وفي مقدّمها مجلس الأمن.
المثير في استطلاعات الرأي الأخيرة، هو غياب تصنيف الدول العربية والشرق أوسطية وتحديداً تركيا وإيران، خصوصاً أنّهما شريكان أساسيان لروسيا، إذ إنّ علاقات اقتصادية كبرى تربط موسكو بأنقرة، في حين أنّ السياسة والاقتصاد يشكّلان عَصَباً قوياً في علاقاتهما مع طهران.