IMLebanon

الروس يضغطون ويتدخّلون… خصوم الأسد في لبنان حلفاؤهم؟

 

يرتكب محور “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” خطأ فادحاً وجسيماً في تقدير الموقف الروسي، إذ إنهم أوهموا الناس على مدى السنوات الماضية بأن موسكو هي ركن أساسي في محور “الممانعة” وتدعمه بشكل كبير في لبنان، ليتفاجأ الجميع بالحسابات الروسية التي قد تقلب الطاولة رأساً على عقب.

 

لا يمكن عزل تعاطي موسكو مع الوضع اللبناني عن الملف السوري، وقد يصل إلى حدّ ربطه بملفات أوروبا الشرقية وشمال أفريقيا.

 

بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وانتهاء مرحلة “الحرب الباردة” وتزعّم الولايات المتحدة الأميركية العالم منفردةً، كانت موسكو تقف دائماً في صف واشنطن ولا تعارضها، وفور وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدّة الحكم باشر العمل لإعادة إحياء حيثية بلاده العالمية، والمعارضة الأساسية لواشنطن في الشرق الأوسط كانت خلال حرب العراق عام 2003، وقتها ذهبت أميركا إلى الحرب من دون غطاء مجلس الأمن الدولي، لكن موسكو عادت إلى ركب الموجة الأميركية بعد صدور القرار 1559 في أوائل أيلول من العام 2004.

 

تناغم مع الأميركي

 

الناظر إلى سياسة موسكو في لبنان يكتشف أنها متماهية إلى حدّ كبير مع السياسة الأميركية وليس الإيرانية، فلولا الموافقة الروسية لما صدر القرار 1559 من مجلس الأمن، وكذلك لم يتمّ إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومن ثمّ صدور القرار 1701 بعد “حرب تموز” وكل القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان، والجميع يتذكّر الموقف الروسي الحاسم بعد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، صديق بوتين والدولة الروسية.

 

ويقع محور “الممانعة” في فخ وضع روسيا بمصاف إيران، فصحيح أن تدخّلها في الحرب السورية أتى حاسماً بعد معركة إدلب وانكسار الجيش السوري، لكن الحقيقة أن بوتين هو صديق إسرائيل.

 

أما اليوم، وبعد أن إنكشفت الحقيقة وظهر الموقف الروسي على حقيقته، فإن المطلعين على الأجواء الروسية يسردون عدّة وقائع لم يفهمها المحور السوري – الإيراني في لبنان، أو أنه تغاضى عنها، وحاول الإيحاء بأن روسيا تقف في الخندق نفسه معهم.

 

حسابات سوريا مختلفة

 

وفي التفاصيل، فإن روسيا ليست حليفة الرئيس السوري بشّار الأسد بقدر ما أصبحت وصية على سوريا، ويروي العديد من الضباط السوريين كيف أن الجيش السوري بات يعمل في خدمة الجيش الروسي الذي يُسيطر على الأرض ويتخذ القرارات التي تناسب مصالحه.

 

أما النقطة الأخرى التي تفضح “محور الممانعة” فهي دعم بوتين المطلق لإسرائيل ومنعه أي طرف من تنفيذ أي عمل في الجولان المحتل الذي تقطنه غالبية من يهود روسيا، في حين أن هناك إتفاقاً روسياً – إسرائيلياً حاصلاً وينصّ على استخدام الإسرائيليين الأجواء اللبنانية من الجنوب وصولاً إلى جبيل وصعوداً نحو البقاع لتنفيذ غارات على مواقع لإيران و”حزب الله” في سوريا وعلى الحدود اللبنانية – السورية، وذلك عندما تشعر تل أبيب أن هناك أمراً ما يهدّد مصالحها، وبالتالي كيف تكون روسيا حليفة “حزب الله” وإيران، وتنسّق مع إسرائيل لضرب الإيرانيين والميليشيات الشيعية على أرض الشام؟

 

ومن جهة أخرى، فإن روسيا تعتبر نفسها أنها هي التي تُسيطر على الأرض والفضاء السوري، وكذلك البحر عبر انتشار قواعدها على الساحل السوري واحتكارها حق استخراج الغاز والنفط وتوقيع إتفاقات تمتدّ لعشرات السنوات، وبالتالي فإن سوريا هي لروسيا، أما إيران و”حزب الله” وبقية الميليشيات الشيعية فهي ورقة في يد موسكو تستخدمها للقتال وكورقة ضغط إضافية في وجه الولايات المتحدة الأميركية.

 

الداخل اللبناني

 

هذا على صعيد الملف السوري وتأثيره على لبنان، أما إذا غصنا أكثر في الداخل اللبناني، فإن الموقف الروسي يكشف عدّة أمور مستورة تؤكّدها المعلومات المتوافرة من موسكو وتتلخص كالآتي:

 

أولاً: لا تتعاطى موسكو مع لبنان على الطريقة الأميركية أو السعودية أو الإيرانية أو بقية الدول، إذ إنها لا تطمح أن يكون لها حليف داخلي على شاكلة “حزب الله”، فهي دولة ذات غالبية أرثوذكسية، لكن تعاطيها مع الأرثوذكس عادي جداً مثل بقية الطوائف، وهي تتعاطى مع لبنان من دولة إلى دولة.

 

ثانياً: تعرف موسكو جيداً أن لبنان ليس أرض نفوذ لها، وهو تاريخياً كان في المحور الغربي وأقرب إلى فرنسا وأوروبا ومن ثمّ أميركا، لذلك لا تبذل أي جهد من أجل تغيير وجهته التي تتفهمها جيداً.

 

ثالثاً: لروسيا مصالح في لبنان تريد الحفاظ عليها، وهي دخلت مجال الطاقة من خلال محاولة الإستثمار في الشمال، وكذلك فان إحدى الشركات الروسية تشارك في عملية التنقيب عن النفط والغاز.

 

لا تدعم “الممانعة”

 

هذا على الصعيد العام، أما سياسياً، فإن التأكيدات التي تتوالى من العاصمة الروسية تشير بما لا يقبل الشكّ إلى أن موسكو تحاول أن تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، لكنها أقرب إلى بعض أفرقاء 14 آذار منه إلى محور “الممانعة” و”التيار الوطني الحرّ”.

 

ويعود هذا الأمر لأسباب عدّة، فإذا تعمقنا في البحث، نكتشف أن العلاقة بين الحزب “التقدمي الإشتراكي” والروس قديمة جداً وتعود إلى أيام الإتحاد السوفياتي حيث نسج مؤسس الحزب الشهيد كمال جنبلاط علاقة وطيدة مع هذه الدولة العظمى، وحافظ عليها النائب السابق وليد جنبلاط، وهذا الأمر يظهر جلياً من خلال زيارات جنبلاط المتتالية ونجله النائب تيمور ووفود إشتراكية دائمة إلى موسكو.

 

أما العامل الثاني، فيتمثّل أيضاً بالدور التاريخي الذي لعبه الحريري الأب مع روسيا بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، وهذه العلاقات تحافظ إدارة بوتين عليها وتغذيها وتستكملها مع الرئيس سعد الحريري.

 

وبالنسبة إلى الجناح المسيحي في 14 آذار سابقاً وهو حزب “القوات اللبنانية”، فإن موسكو تنسج علاقات مع هذا الحزب، والدليل زيارة وفد من الحزب مؤلف من النائبين زياد الحواط وفادي سعد العام الماضي موسكو.

 

ومن جهة المحور الآخر، فإن الودّ غائب بشكل كبير بين موسكو و”التيار الوطني الحرّ” وهذا الأمر ظهر جلياً عام 2015 عندما راسل وزير الخارجية سيرغي لافروف الخارجية اللبنانية وحمّل رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” حينها العماد ميشال عون مسؤولية تعطيل الإستحقاق الرئاسي بسبب التخلف عن حضور جلسات إنتخاب الرئيس مع حلفائه.

 

ولم تُفتح أبواب موسكو أمام عون وتياره حتى بعد انتخابه رئيساً، إذ إن روسيا كانت لا تريد إستقباله بسبب الموقف السياسي منه وعدم تعامل العهد مع روسيا بمنطق من دولة إلى دولة، بل حاولوا التصرّف وكأن سفارة لبنان في موسكو غير موجودة، متخطين السفير اللبناني شوقي بونصار ومحاولين إستهدافه سياسياً، لكن تدخّل الكنيسة الروسية سمح لعون بزيارة موسكو على إعتبار أنه الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، لكن الزيارة لم تكن ناجحة وفق كل المعايير.

 

دور مستقبلي؟

 

اليوم تلعب موسكو دوراً متقدّماً في الأزمة اللبنانية، والدليل هو اللقاء الذي عُقد في الإمارات بين الحريري ولافروف والتواصل الدائم مع المسؤولين اللبنانيين.

 

وتكشف المعلومات أن زيارة وفد “حزب الله” إلى موسكو الأسبوع المقبل تأتي من باب التواصل مع كل الأفرقاء اللبنانيين، ولإسماع “الحزب” الموقف الرسمي الروسي وهو أن مرشحهم الأوحد لرئاسة الحكومة هو سعد الحريري، وهذا الأمر أعلنوه منذ إندلاع إنتفاضة 17 تشرين، كذلك فإنهم ضدّ منح الثلث المعطّل لأي فريق، أما النقطة الثالثة فهي الطلب منهم تسهيل مهمة الحريري لأن الوضع لا يحتمل مزيداً من التعطيل.

 

لا شكّ أن هناك تحريكاً للملف اللبناني، ويأتي هذا الحراك في سياق محادثات أميركية – روسية مشتركة في المنطقة ومن ضمنها يأتي الملف اللبناني، وبالتالي ستركّز محادثات الروس مع وفد “حزب الله” على الملف السياسي اللبناني، ولن تصل إلى حدّ إبلاغهم بما يجري من محادثات مع الأميركيين، لأن الطبخة الأكبر تُطبخ ضمن إطار الغرف المغلقة وتُبلّغ القوى الصغيرة بها، لكن الأكيد أن وفد “حزب الله” يعرف أن أي إتفاق أميركي- روسي سيكون على حساب الدور الإيراني في المنطقة، وسيتقلّص دور “حزب الله” تدريجياً ويعود إلى حجمه الحقيقي.

 

عند اندلاع إنتفاضة 17 تشرين، حذّر الروس من نقل الفوضى إلى لبنان واتهموا أيادي خارجية وعلى رأسها الأميركيون بتحريك الأرض، لكن بعد مرور نحو عام وخمسة أشهر على كل الإنتفاضة الشعبية بات الروس على قناعة أن العهد فشل فشلاً ذريعاً وأن الداخل يتحمّل المسؤولية الأكبر في وصول الأوضاع إلى “الحضيض”، وليست المواقف التي يطلقها السفير الروسي في بيروت ألكسندر رادكوف من خلال إنتقاده بعض سياسات السلطة تنبع من “تار” شخصي أو موقف متفرّد بل تُعبّر عن رؤية موسكو للوضع اللبناني الخطير.

 

وتتوالى التحذيرات الروسية من إنفجار الوضع أمنياً، لذلك تضغط على جميع القوى من أجل تسهيل مهمّة الحريري وتُحمّل العهد ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل مسؤولية التعطيل، وأمام كل هذه الأخطار قرّرت الدخول على خط الأزمة اللبنانية، لكنها لم تنزل إلى ساحة المعركة بكامل عدّتها وعديدها وتُحاذر الغرق في الوحول اللبنانية، وتريد الإستفادة من التجربة الفرنسية لتكون جاهزة لإخراج حلّ بالتوافق مع الأميركيين قابل للتطبيق ويُنقذ لبنان من الجهنم الذي يغرق فيه، خصوصاً أن الروس يتابعون أدقّ تفاصيل التطورات اللبنانية وآخرها كلمة قائد الجيش العماد جوزف عون والذي بات ينال إعجاب واحترام المسؤولين هناك، ويعتبرون أن ما قاله قائد الجيش هو تعبير عن العجز على كل الصعد، لذلك فان المسؤولين عن التعطيل يجب أن يتفهموا خطورة الوضع… وإلا فالطوفان آت.