أكثر من 170 يوماً مرت على تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة، من دون أي نتيجة، فيما الانهيار يهرول سريعاً إلى جيوب اللبنانيين ومنازلهم بعدما انقضّ على حساباتهم المصرفية ومدخراتهم، وها هو يهدد لقمة عيشهم ورغيف خبزهم ودواءهم!
لا يحسد اللبنانيون على أوضاعهم، وقد بات مصيرهم أسير خلافات وحسابات ومصالح سياسييهم الذين يتقاذفون اتهامات التعطيل والعرقلة من دون أن يرفّ لهم جفن. يتحضّر الحريري ليحطّ في العاصمة الروسية بعدما أودعته القاهرة جرعة دعم عربية يُراد منها أن تقيه شرّ الضغوط التي تمارسها الرئاسة الأولى ضدّه لدفعه إلى الاعتذار والخروج من سباق السراي، حيث يحاول الفريق العوني النفاذ من خرم الاعتراض السعودي للدفع باتجاه إجراء استشارات نيايبة جديدة تأتي بمرشح غير رئيس “تيار المستقبل” لتكليفه رئاسة الحكومة.
في الواقع، لا تشي الساحة الداخلية بوجود حراك جديّ من شأنه أن يحرك المياه الراكدة. هدوء على الجبهات وفي كواليس المبادرات. وحده الخارج يبدي اهتماماً بالداخل اللبناني، ولكن وفق أجندة كل دولة وجدول حساباتها. الإدارة الفرنسية تصرّ على استخدام عصا العقوبات لتليين مواقف المعرقلين ودفعهم للجلوس إلى طاولة التفاهم لا التفاوض فقط، والعمل على وقف التدهور الذي لامس خطوطاً حمراً باتت تهدد مصالح الدول، وهي مسألة لن تتعاطى معها الدول بخفّة.
وبهذا المعنى يُفهم الضغط الدولي المتدحرج الذي تمارسه الدول المعنية ازاء الملف اللبناني، والذي يأخذ منحى تصاعدياً يُتوقع وفق المتابعين أن يتّسم بالتشدد أكثر خلال الاسابيع القليلة المقبلة. على الصعيد الفرنسي، يتردد أنّ أكثر من ادعاء تمّ تسجيله لدى القضاء الفرنسي بحق مسؤولين لبنانيين ويفترض أن تكون هذه الادعاءات مدخلاً لسبر غور بعض الحسابات المصرفية الموضوعة في مصارف أوروبية، وذلك من باب الاستعاضة عن أي عقوبات قد تتخذ من جانب الاتحاد الاوروبي والتي تحتاج إلى اجراءات معقّدة قد تتطلب وقتاً طويلاً، ليس متاحاً.
بالتوازي، فإنّ موسكو أبلغت أكثر من مسؤول لبناني بأنّ الوضع الداخلي بلغ مراحل خطيرة من شأنه أن يهدد مصالح الدول الكبرى، وبالتالي يفترض المسارعة إلى تأليف حكومة تحاكي المبادرة الفرنسية في جوهرها الإصلاحي كونها لا تزال المعبر الإلزامي لمدّ يد المساعدة للبنان.
ومن الواضح أنّ فشل الإدارة الفرنسية في فرض التفاهم على اللبنانيين وتحديداً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، دفع بموسكو إلى “تجريب حظها” مع اللبنانيين، بعدما بلّغتهم رسائل شديدة اللجهة، كما يقول المتابعون، تؤكد انزعاجها ورفضها السلوك التعطيلي، حيث ينتظر أن يكون الحريري أول ضيف على العاصمة الروسية، لتكرّ من بعده سبحة لقاءات مع مسؤولين لبنانيين.
يقول المتابعون إنّ المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف سبق له أن أجرى منذ حوالى شهرين سلسلة اتصالات بمسؤولين لبنانيين وقد أبلغهم في حينه بنيّة بلاده استضافتهم للتباحث في الشأن الحكومي، وهذا ما عاد وكرره الروس أمام من التقوه من اللبنانيين خلال الأسابيع الأخيرة. ويفترض أن تتحدد خلال الساعات المقبلة سلسلة لقاءات ستبدأ الأسبوع المقبل، ومن بينها على سبيل المثال رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فيما سبق لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن أبلغ أنه لن يقوم بأي رحلة خارجية قبل تلقيه اللقاح، ما يعني أنّه لن يقرب المطار قبل أسبوعين.
فهل سيُعطى لموسكو ما لم يعط لغيرها؟ لا أحد يملك جواباً. لكن الأكيد أنّ التفاهم الحكومي خرج من إطاره الداخلي. لا أحد من القوى المتصارعة بصدد تجيير هذا “الانتصار” إلى أيّ من القوى المحلية، ويفضّل تقديمه إلى الخارج بحثاً عن مكاسب اضافية طالما أنّ الملف اللبناني صار طبقاً دولياً.
ما يمكن تأكيده أيضاً، هو أنّه صار للملف الحكومي إطار عام متفق عليه على نحو غير مباشر، ولو أنّه غير معلن: حكومة من 24 وزيراً لا ثلث معطلاً فيها. أما التفاصيل، وشياطينها فلا تزال متروكة جانباً.
لكن “السؤال المليون” هو: من يقنع ميشال عون بالتوقيع؟ يتردد أنّ زواراً التقوا رئيس الجمهورية خلال الأيام القليلة الماضية وردد أمامهم مجريات أحداث العام 1989، ليعيد ويؤكد أنّه ليس من طينة الرجال الذين يُكسرون. فهل ينهي عهده على حكومة مستقيلة؟ أم أنّ تقديرات بعض السفراء الغربيين بامكانية ولادة حكومة قبل نهاية الشهر ستكون في محلها؟