Site icon IMLebanon

النزاع الروسي ـ الأميركي على«أرض الكنانة»

لا شكّ في أنّ التقارب الروسي – المصري الذي بدأ يظهر بقوّة منذ وصول الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى السلطة، قد دفعَ الإدارة الأميركية إلى إعادة حساباتها مع القاهرة لبَرمجة العلاقات معها بعدما شهدَت فتوراً لافتاً منذ ثورة 25 كانون الثاني 2011.

لا يمكن قراءة إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً عن رغبته في رفع حظر توريد الأسلحة إلى مصر، إلّا في سياق محاولة العودة إلى أرض الكنانة، بعدما شعرَت واشنطن أنّ موسكو قد دخلت إلى الساحة المصرية من مختلف أبوابها، سياسياً وعسكرياً وتجارياً، وهذا ما تجَسّد في زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاخيرة للقاهرة والتي لقيَت احتفاءً رسمياً وشعبياً لم تشهده مصر منذ سنوات طويلة.

أن تراجعَ الولايات المتحدة حساباتها من خلال تقديم عروض عسكرية مغرية لمصر، ومدّها بأسلحة حديثة كانت ممنوعة عليها سابقاً بذريعة عدم التفوّق العسكري على إسرائيل كمقاتلات «أف 16» وصواريخ من طراز «هاربون» ودبابات «إم1.إيه1»، قد يشَكّل بالنسبة إلى القاهرة فرصةً لإعادة ترتيب مؤسستها العسكرية التي تأثّرَت سلباً بمجريات الأحداث التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من أربع سنوات.

لكن لا بدّ أيضاً من الأخذ في الاعتبار العلاقة المتجدّدة مع موسكو في مختلف المجالات. فأيّ طريق ستسلك القيادة المصرية؟ وهل ستتمكّن مِن فتح أبواب التعاون مع واشنطن مجدّداً والحفاظ على توزان سياسي في علاقاتها مع القطبَين الدوليَين في آنٍ واحد؟

بالطبع لن يكون الأمر سهلاً على القاهرة في ظلّ توَتّر العلاقات بين موسكو وواشنطن في ملفات كثيرة، ولا سيّما منها الملف اليمني الذي وضَع مصر الى جانب السعودية في «عاصفة الحزم»، الأمر الذي لا يروق للكرملين، في اعتبار أنّ روسيا قد وقّعَت صفقة أسلحة مع مصر تتضمَّن طائرات «ميغ 29»، ومروحيات «إم.أي 35»، ومنظومات دفاع جوّي، وأخرى صاروخية مضادّة للدبابات، وقد أخذَت المملكة العربية السعودية على عاتقِها تمويل هذه الصفقة.

والآن، وفي ظلّ تدهوُر العلاقات بين الرياض وموسكو على خلفية الأزمتين السورية واليمنية، إضافةً إلى دخول العامل الأميركي على الخط، فإنّ القاهرة باتت أمام خيارات صعبة في تحديد وجهة سياساتها المستقبلية بما يتناسب مع احتياجاتها في شتّى المجالات. فالروس قد أخذوا على عاتقهم تقديمَ كلّ ما يلزم في مجال التعاون العسكري وفي مجالات الاقتصاد وإعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد وتطويرها، خصوصاً في قطاع الطاقة.

وانطلاقاً من ذلك، فإنّ مصر ستحقّق مكاسبَ كبيرة في تطوير علاقاتها مع روسيا، كذلك فإنّ الروس سيُحقّقون أيضاً مكسَباً مهمّاً في حال دخلت القاهرة في فضائهم الاقتصادي والسياسي، وهو الاستفادة من خدمات ميناء الإسكندرية، في اعتبار أنّه يمكن أن يكون بديلاً من ميناء طرطوس السوري إذا اقتضَت الحاجة.

لكن تبقى كلّ العناوين الاقتصادية التي تَوافَقَ عليها الطرفان خلال الزيارات الرئاسية المتبادلة حِبراً على ورق أمام معركة تثبيتِ النفوذ السياسي في ظلّ الهجمة الأميركية وعودة مجلس التعاون الخليجي بمقدّراته المالية إلى أرض الكنانة من جهة، والمغريات الاستراتيجية التي تُقدّمها روسيا من جهة أُخرى.

بالطبع، اختبرَت مصر مرّات عدة في تاريخها المعاصر التجاربَ الأميركية التي أثبَتت مرّةً تِلوَ الأخرى أنّ واشنطن تتنازل عن كلّ التزاماتها تجاه أيّ دولة في العالم لمصلحة إسرائيل، في وقتٍ ترى القاهرة وتلمس إخلاصَ روسيا ووفاءَها في الوقوف إلى جانب حلفائها سياسياً واقتصادياً في المنطقة، لذلك فإنّ كفّة الميزان وفق المعايير كافّة ترجَح نحو الجهة الروسية. لكن بالطبع يبقى القرار الأخير للقيادة المصرية وللعوامل والضغوط الإقليمية والدولية التي تعصف بملفّات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.