ليس في الوقائع ما لم يكن من التوقعات في حرب سوريا: انتهاك الهدنة المفروضة باتفاق روسي – أميركي دعمه قرار بالاجماع في مجلس الأمن. فلا الرئيسان فلاديمير بوتين وباراك اوباما والوزيران سيرغي لافروف وجون كيري الذين قفزوا من فوق الشركاء الأوروبيين والاقليميين واختاروا تعبير وقف الأعمال العدائية كتموا توقعهم للخروق وصعوبة التزام الاتفاق مئة في المئة. ولا القوى المنخرطة في الحرب أوحت انها مطمئنة الى القرار المفروض عليها. بعضها رأى أن الهدنة جاءت قبل أن يربح على الأرض ما يحقق مشروعه السياسي. وبعضها الآخر رافض لفكرة التسوية ومصرّ على اكمال حربه الى النهاية. والكل في سباق على تسجيل الخروق التي يرتكبها الطرف الآخر. فضلاً عن ان الاستثناء من الهدنة يشمل تنظيمات عدة الى جانب داعش والنصرة، بحيث تبدو المواقع الارهابية متداخلة مع مواقع المعارضة المعتدلة فوق خارطة الهدنة.
واذا لم تكن الهدنة ممراً الى إحداث اختراق في الأزمة يؤسس لتسوية سياسية، فإنها تبقى مجرد خرق لنظام اطلاق النار. والسؤال الحائر في المنطقة وخارجها هو: هل هناك اتفاق روسي – أميركي على صفقة كاملة تبلور صورة سوريا والنظام الاقليمي والشراكة في ادارة النظام العالمي أم ان الهدنة تجربة على طريق طويل من التجارب؟ لماذا تحدث كيري عن خطة ب اذا لم تكن هناك جدية في ترتيب حلّ سياسي، وسارع لافروف الى الرد بأنه ليس هناك خطة ب ولن تكون؟ وأين هذا التعارض من التناغم بين تحذير كيري من صعوبة الحفاظ على وحدة سوريا اذا استمرت الحرب طويلاً وبين ردّ موسكو على قول للرئيس بشار الأسد انه مستمر في القتال حتى النصر واستعادة كل شبر من الأرض بأن كلامه ليس منسجماً مع الأهداف الروسية؟
بعض الجواب من أسرار الآلهة. لكن بعضه الآخر مكتوب على الجدار. أوباما وضع سوريا منذ البدء خارج المصالح الحيوية الأميركية، على عكس بوتين الذي حقق أهدافاً مهمة ضمن المصالح الحيوية لروسيا عبر دخوله حرب سوريا. وهو قال مؤخراً ان الأمر ليس مسابقة بيني وبين بوتين الذي أخطأ استراتيجيا بدعم النظام السوري الضعيف… لا بل اعتبر ان السؤال الحقيقي المطروح هو ما الذي تعتقد روسيا انها ستربحه اذا ما حصلت على دولة مدمرة كحليف وعليها أن تنفق مليارات الدولارات لدعمها؟.
لكن الواقع، بصرف النظر عن رؤية أوباما الفلسفية، ان اتفاق الهدنة بداية مسار نحو تسوية سياسية. ومن التقاليد الأميركية الرهان على تجربة المسارات وتطور الأمور خلال عملية المفاوضات مهما طالت. –