الرئيس فلاديمير بوتين يوسّع بيكار اللعبة المزدوجة مع الرئيس باراك أوباما: المواجهة والتفاهم. شيء للضغط على الرئيس الذي يعدّ أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. وشيء لترك اللعبة مفتوحة مع العهد الجديد، سواء جاء دونالد ترامب المعجب بالرئيس الروسي أو جاءت هيلاري كلينتون التي تعتقد إن اللغة الوحيدة التي يفهمها بوتين هي القوة والعزم. خطوة على المسرح في حرب سوريا مع بقاء العين على المسرح الأوكراني. وخطوة في اطار العلاقات الثنائية الروسية – الأميركية المرتبطة بما يدور على المسرح الأوروبي. ففي ضرورة التفاهم تخفّ اللهجة في خطاب المواجهة. وفي الحاجة الى المواجهة المحدودة يتم تعليق التفاهم. وهكذا جرى تعليق تفاهم أو اتفاق تقني مع واشنطن يتعلق بالحد من الأسلحة النووية. وتعليق تفاهم على وقف الأعمال العدائية في حرب سوريا والمشاركة الأميركية – الروسية في محاربة داعش والنصرة، بعدما تبادلت الأطراف الاتهامات بخرق التفاهم وتبارى الأميركان والروس في الكذب والتكاذب.
ذلك ان التدخل العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا لم يكن من أجل سوريا وحدها. وان حقق أهدافاً مهمة فيها بينها حماية النظام ومنع داعش من السيطرة على دمشق كما قالت موسكو. فالهدف السياسي، حسب ديمتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو، هو هندسة تسوية سياسية تحمي مصالح روسيا في سوريا والمنطقة، وتضمن إبقاء روسيا على وجودها العسكري في سوريا وان تُنتج شراكاتها زمن الحرب مع ايران والعراق والكرد ارتباطات سياسية واقتصادية دائمة. وكل ذلك في اطار طموح استراتيجي لشراكة ندية مع أميركا ورغبة مباشرة في انهاء العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا بسبب ضمّها لشبه جزيرة القرم.
لكن أوباما أوحى انه ليس مستعداً لانهاء العقوبات مقابل عرض روسي لمشاركة أميركا في سوريا التي ليست في حسابه مصلحة حيوية. وهو يعرف ان اندفاع بوتين في سباق تسلح مع أميركا مسألة يصعب أن يتحملها الاقتصاد الروسي الضعيف، وان لم تؤد الى ما أدى اليه سباق التسلح أيام الاتحاد السوفياتي مع أميركا وحرب النجوم تحت رئاسة رونالد ريغان. فضلاً عن ان أوباما يتصور ان مسار بوتين هو مسار عبثي لأنه يحاول استعادة المجد الضائع في عالم تخطى زمن الامبراطوريات، كما قال في خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وهذا ما يوضح لماذا يلعبها بوتين حارة وباردة، حسب الموقف، وتبعاً لنظرية لينين: اضرب الجدار بهدوء، فاذا كان صلباً تراجع، واذا كان ليّناً إضرب بقوة. وليست معركة حلب سوى تطبيق لنظرية لينين، وان لم تكن نهاية اللعبة.