IMLebanon

المتغوّلان: الروسي والأميركي

من الذي أطلق أيادي ومخالب الدب الروسي المتّغوّل في صلب الأراضي السورية والتي ما زالت حقيقة أهدافه التي دفعت به إلى كلّ هذا العنف المتوحش في حق الشعب السوري ومدنه وقراه ومواطنيه الذين يدفع بهم للهرب إلى أماكن السلامة لهم ولأولادهم على الأراضي السورية، باتجاه الإبقاء على أنفاس حياتهم وحياة أطفالهم وهم يباطحون أحوال التشرد في شتى أنحاء الأرض وفي مقدمتها أراضي البلدان المجاورة والتي رافقهم إليها صقيع قاس، نكّد على الهاربين هربهم وألزمهم بالإحتماء والإختباء بما تيسّر من وسائل الإستدفاء والإختباء ولو تحت سقف خيام تعبث بها كل أنواع الرياح والأهواء.

هل صحيح أن بدايات التفاهم على الوجود الروسي الفاعل والقاتل في سوريا، إتّخذَ له منطلقاً، من مباحثات روسية سعودية سبق أن جرت في كلٍّ من موسكو والرياض، وأن روسيا حاولت أن تلصق بالمملكة وسياستها الجريئة التي دفعت ببوتين إلى مكان موبقات التغول الروسي المستمر حاليا على الأرض السورية، ولكن المملكة سريعا ما تنبهت إلى هذه الإستهدافات ونواياها الممزوجة بالخبث والدهاء الفاقع المكشوف، فنأت بنفسها عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى الدخول في مغامرات التغول والعنف الإجرامي التي تدور حاليا في أجواء سوريا وفي أرضها، بعد أن أصبح حاكم سوريا الحالي، مجرد مأمور مطيع، يدعى إلى موسكو لتلقي التعليمات والأوامر ويستبدل سيداً إيرانياً بسيد روسي مع اتفاقات مسبقة على اقتسام الجبنة السورية على امتداد مساحاتها الشاسعة، ويصبح قيصر الكرملين، ذلك الآمر الناهي على مجمل الأرض السورية والمتخذ لجميع قراراتها السياسية والعسكرية، ومع الأسف الشديد، يصبح بوتين هو زعيم « الممانعة « العربية وربيب السياسات الروسية التي وصلت إلى حدود التوافق المسبق مع اسرائيل وكل ما له علاقة بتطلعاتها واستهدافاتها في العالم العربي، ولنا في تفاصيل ما جرى بين موسكو وتل أبيب في بدايات التغول الروسي خير دليل.

حقيقة الوضع القائم، لا تقتصر في واقع الأمر، على تداخلات معقدة يشارك فيها كل من الوضع الروسي والإيراني في إطار من الظلال الإسرائيلية التي باتت على كثير من الوضوح والإفتضاح، بل وراء كل ذلك، وربما قبل كل ذلك، المستهدِف الخبيث للعالم العربي بوجوده وبالتحديات التي تطاوله حيثما كان، والمتمثل بالولايات المتحدة الاميركية التي تقبع خلف كل ستار وتمثّل على الجميع، كل الأدوار، تضع يدها حيث تشاء وتسحب أياديها من حيث تشاء، والمقياس في ذلك كله أن تكون أكوام هامة من مصالحها محفوظة مصانة في الأماكن التي تقرر فيها التدخل، وحيث لا مصلحة لها تسحب أياديها وأرجلها وكل رغباتها من ساحات المعمعة الأمنية أم السياسية، وهذا ما هو حاصل على الأرض السورية التي انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من أي مداخلة مؤآثرة لها على ظروف الثورة السورية، فلم تجد الولايات المتحدة في استعمال السلاح الكيماوي من قبل النظام الغاشم أي دافع لها نحو العون الحقيقي والتدخل الرادع والمانع، وفي مقدمة المستجدات على صعيد مؤتمر جنيف والإنعقاد المنتظر لأطراف النزاع جميعا، ذلك الحق الظاهر – الخفي الذي بات قائما، بصورة « واقعية» تتجاوز مقررات مجلس الأمن والإتفاقات والقرارات السابقة بالخصوص السوري، وبما بات يشكل واقعا جديدا لا علاقة له بالقرارات المبدئية والأولية التي اتخذت بهذا الخصوص بعد أن أطلقت يد المتغول الروسي صائلا وجائلا في الأرض والأجواء السورية ملحقا بها كل تلك الآثار والنتائج المدمرة، والانسانية المأسوية بما يتجاوز ما سبق لجميع قوى الشر والشراسة المحلية والإقليمية أن مارسته على الأرض السورية المنكوبة. وقد أطلق الأميركيون ( ونقولها هكذا وبكل وضوح ) يد المتغول الروسي يعمل بالوضع السوري شتى أنواع الطغيان بحق المدنيين السوريين، مركزا في طلعاته وضرباته الجوية على مواقع الثوار والمعادين للنظام، ومتجاهلا كل ما له علاقة بداعش ومتفرعاتها، حتى بات الهدف واضحا ومحددا للجميع : ضرب القوى المعادية للنظام كائنا من كانت وتغليب أوضاع النظام على ما سواها من أوضاع بحيث تذهب المعارضة السورية (المدنية والعسكرية) إلى مؤتمر جنيف رافعة الأيدي ومتنازلة عن معظم المواقف التي سبق لها أن اتخذتها بصدد أوضاع بلادها ومصير أهلها وأبنائها، وما يزيد في الأمر خطورة واستنكارا، ذلك التغيير السكاني القائم على قدم وساق في كثير من نواحي النزاع السورية، حيث يجري التركيز على مواقع الشريط الساحلي السوري الذي بات تحت الرعاية والحماية العسكرية الروسية بالكامل وقاعدة برية وجوية لجميع منطلقاتها العسكرية على الأرض السورية، ومنطلقا عسكريا لحماية النظام القائم والأبقاء عليه منطلقا لاقتطاع دويلة سورية بقيادة النظام وانقيادته إلى الصفوف الروسية. وعلى محيط دمشق، ربما يمكن النظام من حسم الأوضاع لمصلحته في شتى الأنحاء المجاورة للعاصمة السورية، وعلى اماكن متعددة من الحدود اللبنانية – السورية، التي تتيح لحزب الله، ممرات آمنة مطمئنة لسلاحه ومسلحيه القادمين والخارجين من وإلى لبنان، كل ذلك وسط صمت غريب للمجتمع الدولي وفي طليعته زعيمته المتمكنة منه ومن خيوطه وخطوطه، الولايات المتحدة الأميركية، ووسط نشاط مستمر ومتمادي، والمتمثل بتمكين القوى الداعشية من مزيد من الادوار التي تمكن من إجراء مفاضلة ما بينها وبين النظام السوري لتكون النتيجة في إحقاق هذه المفاضلة إعطاء نقاط إيجابية لداعش لتتستر بها كل العورات وفي طليعتها عورات النظام السوري نفسه والقوى المساندة له وآخر طبعاتها المستجدة على الساحات جميعا، الروسية والأميركية.

وأغرب المستجدات ذلك التحول لدى بعض الجهات المؤيدة أساسا للثورة السورية والشعب السوري، بحيث خفتت أصواتها وبهتت مخططاتها ويكاد بعضها أن ينسحب إلى الخطوط الخلفية، وهي اليوم تدخل بشكل أو بآخر بخيوط وخطوط الوضع السوري القائم، المطبق على المعارضة السورية عن طريق كمّ الأفواه وتحوير المواقف إلى ما يتوافق مع الأهداف الحقيقية التي ترى أحداث هذه الأيام، وهي أهداف لا تسر أحدا وتخفي أكثر مما يظن، أهم ما يتبدى منها ( والمخفي أعظم ) أن هذه الجبهة السورية يتم تقاسمها حاليا بكثير من الجشع والطمع، ولكن… يبدو أن كثيرين لا يدركون بالتحديد طبيعة الشعب السوري وحقيقة مواقفه الحالية والمتوقعة من عملية تمزيق بلاده إلى قطع ومربعات وكانتونات. واذا كان المخفي من تآمر المتآمرين أدهى وأعظم، فإن المخفي من توقعات ردات الفعل السورية المقبلة، تحتاج من الجميع إلى وقفة تحفظ وتأمل، وفي طليعة ما هو قائم من استعدادات، قلب الثورة السورية من طابعها العسكري القائم إلى وضعية حرب عصابات بدأت أوساط الثورة القائمة باطلاق اشاراتها وتوقعاتها، وتجاربها الأولية. وما زالت تجربة الروس في افغانستان ذات طعم مرير بقايا لدى الإتحاد السوفياتي ( روسيا حاليا» )، ومن قادته آنذاك… الضابط في الإستخبارات السوفياتية: بوتين.