في مؤشر آخر لانحسار مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، عقب العودة العسكرية الروسية المدوية، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان العراقي حكيم الزاملي إن العراق قد يضطر الى أن يطلب من روسيا قصف مواقع تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش). والزاملي تحدث وكأن أميركا لا تقود ائتلافاً دولياً يقصف مواقع “داعش” منذ أكثر من سنة، وأضاف: “نسعى لدور روسي في العراق يكون أكبر من دور الأميركيين”. وتزامن هذا الموقف العراقي مع تكثيف وتوسيع الضربات الروسية وتصعيدها نوعياً لتشمل اطلاق السفن الحربية الروسية المبحرة في مياه بحر قزوين المغلق 26 صاروخاً متوسط المدى على مواقع لتنظيمات مناوئة لنظام الأسد في سوريا على مسافة 1500 كلم، لدعم حملة برية تقوم بها القوات السورية بالتعاون مع مقاتلين تابعين لـ”حزب الله”، وذلك في حملة منسقة أولى من نوعها تشنها قوات هذا التحالف العسكري الجديد.
وتوحي التطورات السياسية والميدانية في الأيام الأخيرة بأن النزاع سيتسع ومعه احتمالات حصول حوادث بين الطائرات الروسية وطائرات الائتلاف الدولي ضد “داعش”، الى اختراقات روسية جديدة للاجواء التركية. واللافت هو فتور ردود الفعل الاميركية وخجلها. فالرئيس أوباما نفسه أوجد الانطباع الواضح في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأنه لا يسعى الى مواجهة مع روسيا حين قال: “نحن لن نحوّل سوريا الى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. هذا سيكون استراتيجية سيئة من قبلنا”.
وبغض النظر عن نيات الرئيس الاميركي، فإن مثل هذا الموقف قابل للتفسير القائل بأن الولايات المتحدة لا تمانع بالفعل اذا تركزت الغارات الروسية على تنظيمات مثل “جبهة النصرة”، وان الولايات المتحدة بدل تحدي روسيا، سوف تواصل حربها الجوية على “داعش”. لا اعتقد أن هذا ما يريده أوباما، لكنه يجب ألا يستغرب تفسير البعض لفتوره حيال التصعيد الروسي، الذي صاحبه استخفاف مهين من الرئيس بوتين وحلفائه بمكانة أميركا ومصالحها في العراق وسوريا، بأن موقفه هو قبول ضمني بالاجراءات الروسية. وبعض ردود فعل المسؤولين الاميركيين يتسم بغرابة محيرة: روسيا مخطئة، روسيا ستتورط في مستنقع آخر، روسيا ستغضب العالم السني، بوتين يجازف بردود فعل عسكرية داخلية، الى ما هنالك من توصيفات تعكس الاحباط والتخبط والتمنيات ولا تعكس أي استراتيجية أميركية فعّالة لمواجهة التصعيد الروسي.
العنف والتصعيد والترهيب خدمت بوتين في أوكرانيا وقوّت شعبيته وعمّقت المشاعر القومية الروسية. العنف والترهيب في سوريا سوف يعززان مكانة بوتين وروسيا، على الأقل في المستقبل المنظور.