IMLebanon

التدخل الروسي كمانع للحرب الأهلية في لبنان؟!

الفاجعة التي ألمت بآل صفوان هي، بدلالاتها الفعلية، من بين عناوين المأساة الوطنية التي يعيشها لبنان، خصوصاً إذا ما تمثلت بموجة الرحيل الجماعي، عبر الموت، إلى المجهول، والتي تتبدى أخطر تجلياتها في طوابير المهاجرين في قوارب الغرق من طرابلس والميناء فيها وأنحاء أخرى من هذا الوطن الصغير، بمعزل ـ أو بالتكامل؟ـ مع وعن الهجرة المتفاقمة خطورة للنازحين السوريين.

وإذا كانت الحرب في سوريا وعليها توفر مبررات شرعية لهجرة شبه جماعية للسوريين من المناطق التي تعيش في قلب الموت اليومي في ظل الحرب المفتوحة التي يشنها الإرهابيون، داعشيون ومَن شابههم، مجازر وتدميرا في مساحة واسعة وكثيفة السكان من سوريا، بجهاتها الأربع، فإن هجرة اللبنانيين، بطبيعة النظام طارد «رعاياه» والذي لا يحتاج إلى «الشعب، تبدو «طبيعية» و «منطقية»… بغض النظر عن الكفاءة والحالة الاجتماعية والأطفال الذين يرحلون من قبل أن يستقبلوا الحياة وتستقبلهم في وطنهم الذي يلفظهم!

بين الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد، منذ شهرين، تحت عنوان «أزمة النفايات»، في ظل الفراغ السياسي المطلق في مواقع القرار في الدولة، وبين هذه «الهجرة» القسرية، عبر الموت، التي ليس بالضرورة أن تتم خلسة وفي الظلام، و «التهجير» المنظم للشباب، خريجين أساساً وأصحاب خبرات في مجالات شتى، و «المغامرة» التي تندفع إليها عائلات بكامل عديدها، آباء وأمهات وفتيانا وأطفالاً، تنكشف ـ مرة أخرى ـ حقيقة هذا النظام المتوحش.

ان اللبنانيين الذين يفترضون أن الحرب الأهلية صارت خلفهم، وان دولتهم قد استنقذت وعادت مؤسساتها إلى الحياة، ينتبهون الآن إلى حقيقة مرة مفادها أن ذلك من الأوهام: فالدولة تعيش حالة إفلاس شبه معلن، بلسان وزير ماليتها، ومصادر تمويلها تلاشت أو يكاد ينضبها الفساد المستشري وتقاسم المغانم بين أهل الطبقة السياسية، والخسائر المتراكمة نتيجة الفشل المتعمد في تأمين التيار الكهربائي وهو الآن الأغلى كلفة في العالم، والمياه النظيفة وتلاشي أسطورة النفط أو طمسها بقصد مقصود.

لعل مناخ الحرب الأهلية ضرورة لاستمرار النظام… وجدول الخلافات السياسية، التي تستبطن مطالب طائفية تحمل راياتها الطبقة السياسية، تؤكد هذا الاستنتاج: خلاف على قانون الانتخاب (الذي يصعب تصوره في خضم المنازعات والمناكفات السياسية ذات الجذر الطائفي)، وضمنا على تقسيم الدوائر الذي أفضى في ذروته إلى طرح مشروع القانون الأرثوذكسي، فضلاً عن الخلاف المضمر خلف الموافقة المعلنة على اتفاق الطائف بعنوان صلاحيات رئيس الجمهورية التي يعتبر البعض أنها قد انتزعت من الطائفة ـ الأم لهذا الكيان وجيرت لمجلس الوزراء مجتمعا في شخص رئيسه.

كيف تنتهي الحرب الأهلية في لبنان، بعناوين سياسية خلافية حتى هذه اللحظة، بينما الحروب مستعرة بين الأنظمة العربية مشرقاً حتى اليمن ومغرباً حتى الجزائر، وإن ظلت الصدارة لسوريا ومعها العراق وقد اتخذهما «داعش» المقر والممر إلى ما بعدهما، ثم اندفعت المملكة السعودية التي لم يعرف عن نظامها الاندفاع إلى حرب بلا أفق كالتي تخوضها الآن ضد اليمن، مستدرجة إليها ـ بالأمر ـ إمارات الخليج بعنوان دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشيّع يومياً بعض النخبة من ضباطها وجنودها الذين يسقطون في أرض أجدادهم حتى عهد قريب؟

بل كيف تنتهي هذه الحرب الأهلية الصامتة في لبنان والمجلس النيابي يجتمع لأمر تفصيلي، كانتخاب اللجان، ثم يمتنع (أو يمنع؟) عن الانعقاد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية برغم مرور سنة ونصف سنة على الفراغ في سدة الرئاسة، مما يعيد الخلط بين المسائل السياسية والأمراض الطائفية المزمنة فإذا البلاد على حافة الانشطار أو التشطير في ظل مناخات الحرب الأهلية؟!

الأمل الوحيد الذي انبثق مؤخراً يجيء من القرار الروسي الذي باغت العالم بعاصمته الأميركية واشنطن، وذلك بالتدخل الحربي الحاسم في سوريا، والذي أعطى موسكو الفرصة لتؤكد أنها لا تزال عاصمة أساسية للقرار الدولي حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وحتى بعد الحصار الشديد على روسيا (الأرثوذكسية) لإضعافها بل انهاكها اقتصاديا، وحتى بعد تحريض أوكرانيا على الانفصال، وبعد التدخل المباشر لخفض أسعار النفط، وبعد كل المناورات الهادفة لاستبدال الغاز الروسي بأي غاز آخر.

إن هذا التدخل الحاسم لا يحمي وحدة سوريا فحسب، بل إن من شأنه أن يبدل المناخ السائد في المنطقة والذي كان يشعل نار الحروب الأهلية بنوازع طائفية ومذهبية في المشرق بأقطاره جميعاً…

…وصار لموسكو صوت مرجح في انتخابات الرئاسة في لبنان، وهي المقدمة الضرورية لعودة لبنان إلى حالته الطبيعية: يقف على حافة الحرب الأهلية ولكنه ممنوع من السقوط فيها.

قولوا: إن شاء الله!