IMLebanon

الدب الروسي في سورية.. ماذا يريد الآن؟

< روسيا -وبعد أربع سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والذي كان له دور كبير في منع انهيار النظام السوري الحاكم، اليوم- ترى أن ذلك كل ذلك التدخل والدعم لم يعد كافياً، من أجل منع انهيار نظام الأسد بشكل مفاجئ أو حدوث انهيار دراماتيكي، بعد أن بلغ مرحلة متقدمة من الضعف والإنهاك على يد فصائل المعارضة المسلحة، ولاسيما بعد أن أدركت فشل وعجز إيران و«حزب الله» وجميع المليشيات الطائفية التي تعمل لحسابها في إبقاء النظام السوري على قيد الحياة، فلم يعد أمامها سوى دخول أرض المعركة، وهو ما جعل خيار الحل السياسي يذهب في آفاق بعيدة المنال والحصول، روسيا بدأت عملياً وبشكل مباشر في إنقاذ ما تبقى من نظام الأسد، وأوجدت المسوغ والمبرر، وهو عجز التحالف، بعد عام على بدء ضرباته في سورية، في إضعاف «تنظيم داعش»، وحتى يكتمل مشروعها عرضت موسكو على واشنطن التنسيق في «الحرب على الإرهاب» في سورية، وهو عرض فتح شهية إدارة أوباما الفاشلة إلى القبول مباشرة بالعرض المقدم لهم بشأن مواجة «داعش»، وبالفعل بادر الروس، وبلا مقدمات، إلى كشف أوراقهم وبشكل علني أمام العالم أجمع بقصف ممنهج وواضح للمعارضة السورية المعتدلة، وفي أول ثلاثة أيام كانت خريطة الضربات العسكرية، 12 ضد المعارضة المعتدلة، 2 ضد «داعش»، فقد كانت أولى أهداف الطلعات الجوية الروسية، هو قصف تجمع العزة أحد تشكيلات الجيش الحر، الموجود في ريف حماه الشمالي، إضافة إلى قصفه مواقع مدنية، في الريف الشمالي لحمص، أدى -بحسب المركز الإعلامي في حمص- إلى وقوع أكثر من 20 قتيلاً مدنياً، وكذلك قصف الطيران الروسي أحد مقار لواء «صقور الجبل» التابع للجيش السوري الحر إدلب، ومقراً لـ«جيش الفتح»، في ريف إدلب. الروس في غاراتهم لم يخطئوا البوصلة، ولو كان «داعش» هدفاً مقصوداً للطائرات الروسية لم تكن لتذهب فوق سماء ريف حماة أو الريف الشمالي لحمص الخالي تماماً من أي عنصر أو مقر لتنظيم الدولة الإسلامية؛ لأن الثوار طردوا التنظيم من هناك نحو الريف الشرقي، منذ أشهر طويلة، وروسيا لن تتوقف عن استهداف المعارضة المسلحة، وهو أمر باتت تتبجح به علانية؛ من أجل تحقيق هدفين، أولهما: أن تخلو ساحة الصراع لطرفين رئيسين هما النظام و«داعش» ومن ثم تكسب من العالم شرعية بقاء بشار الأسد؛ كونه يحارب الإرهاب المتجسد في «داعش»، والآخر: من أجل إضعافها وتقوية بشار الأسد، وجعله قادراً على دخول أية مفاوضات سياسية، وهو صاحب الكلمة الأقوى، بحيث يتم استدخال المعارضة التي نعتها بوتين بالمعارضة المقبولة، أو ما سماها «الرشيدة» في عملية انتقالية يكون أساسها الأسد، وهذا لا يتنافى من حقيقة وجود قلق كبير لدى الدب الروسي من تنامي نفوذ الدولة الإسلامية، بعد تأسيسه ولاية القوقاز، وأخذه على محمل الجد، والتحاق أكثر من 2400 مقاتل منها بتنظيم الدولة.

واشنطن وضعت يدها مع الروس في سورية ضد «داعش»، لكنها لا تريد مباركة ضرب المعارضة السورية العسكرية أو المشاركة في إعادة تأهيل الأسد، ولا تريد أن تظهر لأصدقائها العرب وتركيا، بأنه ليس أمامهم خيار آخر غير التفاهمات الأميركية-الروسية، أي بتحويل المسار من ضرورة رحيل نظام بشار الأسد فوراً كشرط أساس لحل الأزمة السورية إلى بقائه في أي عملية انتقالية يتم الاتفاق عليها، وربما وجدت واشنطن في هذا التفاهم مخرجاً وانسحاباً لها من هذا المستنقع، فهناك من يتحدث عن إمكان وجود مخطط أميركي في توريط الروس وإغراقهم في المستنقع السوري، وجرهم إلى حرب تشابه حرب أفغانستان، وتحويل قبلة عداء التنظيمات الجهادية المسلحة إلى المشرق، وقد أكد الصحافي توماس فريدمان، في مقالته بصحيفة «واشنطن بوست» إمكان حدوث ذلك السيناريو بقوله: إنّ «بوتين ذهب بغباء إلى سورية، متطلعاً إلى حلوى رخيصة، ليظهر لشعبه أنّ روسيا لا تزال قوة عظمى. بوتين الآن يقف فوق الشجرة، ويجب على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري أن يتركاه هناك، شهراً، ليقاتل «داعش» وحده هو والأسد، ويتفرجان عليه، ليصبح العدو رقم واحد للعالم السنّي». ولاسيما مع همجية الآلة العسكرية الروسية التي سبق أن سجّلت جرائم في أفغانستان والشيشان ودول أخرى، في القرن الماضي، ولكن هذا السيناريو لا يمكن حصوله إلا في حال ذهب الروس بجنودهم إلى الوحول السوريّة، وهو أمر مستبعد في المنظور القريب، طالما أنّ إيران تستمرّ برفد نظام الأسد بمختلف المليشيات.

في المقابل كان موقف المملكة واضحاً من التدخل الروسي، فهي تدرك جيداً أن التدخل الروسي في سورية سيزيد من تعقيد الأزمة أكثر مما هي عليه، وأكدت موقفها بشكل أكثر حسماً في الآونة الأخيرة وذلك على لسان وزير الخارجية عادل الجبير بأن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل أو أن يواجه «خياراً عسكرياً»، على ضرورة أن لا تكون للأسد «أية صلاحيات» ابتداءً من تشكيل هيئة الحكم الانتقالية التي يجب أن تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وكانت أول دولة أعربت عن قلقها البالغ جراء العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الروسية في المدينتين السوريتين «حماة» و«حمص» أمس، وخلفت العديد من الضحايا الأبرياء، مطالبة بوقفها الفوري، وأن بشار الأسد ونظامه لا يمكن أن يكونا طرفاً في أي حرب ضد الإرهاب؛ لأنه يمثل الإرهاب بعينه، وهو ما يدعوها إلى عزل وإضعاف تأثير المحور الداعم لإبقاء الأسد. المملكة لن تعدم الخيارات المناسبة؛ ولا شك أن المهمة ستكون أصعب مما كانت. اتفاق الجسم السياسي والعسكري للمعارضة السورية في البيان الذي أصدره الائتلاف ومعظم فصائل المعارضة وتوحد جهودها أمران مهمان، ينبغي أن يمهدا ويفتحا الطريق للدول الإقليمية بالمنطقة في التحرك في اتخاذ موقف موحد، يؤسس لموقف دولي.