الغارات التي شنتها المقاتلات الروسية على بعض المواقع في سوريا مستهدفة مواقع المسلحين المتواجدين في ريف حمص واللاذقية وصولاً الى ريف دمشق دون التمييز بين انتماءات الفصائل المسلحة من «داعش» الى «النصرة» و«جيش الفتح» و«احرار الشام» و«الجيش الحر»، فاجأت الغرب الذي تراوحت ردود فعله بين التفهم والارتباك باستثناء الاحتجاج الفرنسي الهزلي، ان دلت على شيء فعلى جدية «الدب الروسي» في اعلان الحرب على الارهاب، واذا كان الغربيون يريدون حصر هذه الحرب بـ«داعش» فان غالبية المعارضة المسلحة وفق المنظار الروسي وان تعددت تسمياتها هي فروع وجداول تصب في نهري «داعش» و«النصرة» كونهما يتقاسمان الميدان السوري، ولعل ابرز دليل على ذلك ان المقاتلين الذين دربهم الاميركيون في تركيا سرعان ما التحقوا بـ«النصرة» بكامل عددهم وعتادهم الذي زودتهم به واشنطن وفق الاوساط المواكبة للحراك السوري.
وتضيف الاوساط ان اولوية موسكو مع بدء حربها على الارهاب في سوريا تنظيف الخط الممتد من دمشق مروراً بحمص وصولاً الى اللاذقية للانتقال بعد ذلك الى ضرب معاقل «داعش» و«النصرة» في الرقة معقل «دولة الخلافة» وادلب ودير الزور وشمال حلب الذي يشكل الممر الرئيسي للمسلحين والاسلحة القادمين من تركيا التي تعتبر مع محورها من دول المنطقة الحاضنة الاساسية لـ«داعش» التي وفاء منها للعثمانيين الجدد اطلقت على موقعها الالكتروني اسم «دابق» كون الاتراك العثمانيين دخلوا الى المنطقة بعد هزيمتهم المماليك في معركة «مرج دابق».
وتشير الاوساط الى ان دخول روسيا الحرب ضد التكفيريين يفضح المسرحية الغربية المسماة التحالف الدولي لمكافحة الارهاب الذي تقوده واشنطن وكانت ابرز نتائجه تمدد «داعش» من الرقة الى الموصل والرمادي دون ان يستهدف التحالف المذكور ارتال التنظيم التكفيري في اراض صحراوية مكشوفة اضافة الى اعلان واشنطن ان معظم طائراتها تعود الى قواعدها دون ان تفرغ حمولتها من الصواريخ على مواقع التكفيريين دون ان تبرر الاسباب، ويبدو وفق المراقبين العسكريين ان الغارات الروسية على مواقع الارهابيين في سوريا ستسرع في قلب المعادلات في الميدان لوجود الجيش السوري على الارض بحيث تتكامل الضربات الجوية مع الزحف البري وهذا الامر لم يتوافر لطائرات التحالف الا في المواقع التي شغلتها قوات البشمركة في الاقليم الكردي.
وتقول الاوساط ان الشرق الاوسط الجديد بدأت ترتسم معالمه مع الدخول الروسي على الخط الذي اطاح مقولة احادية النظام العالمي، وان الحلول والتسويات المرتقبة في المنطقة باتت موسكو الى جانب طهران شريكاً اساسياً فيها. وان الساحة المحلية باتت اكثر ارتباطاً بالمجريات السورية وان الحلول فيها اصبحت لصيقة بالتطورات السورية اي ان لا حل في الامد المنظور للملفات الخلافية الا عندما تلوح في الافق الاقليمي بيارق التسويات واتجاهات الرياح الدولية في لعبة المصالح وخصوصاً في انجاز الاستحقاق الرئاسي، وهذا الامر بحثه رئيس الحكومة تمام سلام مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي تمنى عليه في لقائهما ان تساهم روسيا في تسريع انتخاب رئيس للجمهورية لما لها من صداقات مع الاطراف اللبنانيين وقد رد لافروف عليه مؤكداً على أهمية وضرورة اتفاق اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل للاستقرار في لبنان واعداً ببذل ما يمكن ان تفعله روسيا في هذا المجال، متناولاً اهمية التنوع السياسي والطائفي في لبنان داعياً الى ضرورة الحفاظ على الوجود المسيحي في المنطقة ولا سيما في لبنان، ما يشير الى ان روسيا تضع في سلم اولويات دخولها الميدان السوري حماية الاقليات كي لا تتكرر مأساة الايزيديين.
ولعل اللافت وفق الاوساط ان اللاعبين الكبار على الحلبة المحلية لا يزالون غارقين في ترف مناقشة جنس الملائكة في الملفات الخلافية من الاستحقاق الرئاسي مروراً بآلية عمل الحكومة وصولاً الى الترقيات، في الوقت الذي تتسع فيه هوة الخلاف السعودي – الايراني اثر مجزرة منى كون انجاز الاستحقاق يتوقف على تفاهمهما حول هذا الملف او العكس، ما يشير الى ان الطبق الرئاسي لن ينضج في الامد المنظور وسط خشية ان يكون الرئيس ميشال سليمان آخر رئيس مسيحي للجمهورية.