IMLebanon

النزول الروسي في سوريا يؤكد فشل الجنرال سليماني

لا يمكن قراءة الموقف الروسي من سوريا، قراءة آحادية للتوصل الى إجابات واضحة ومحددة، تماماً كما مع اللعبة الروسية الشهيرة «بابوشكا». كلما كشفت «بابوشكا» عن سر من أسرارها ظهرت «أخت لها أصغر قليلاً تصف أسراراً جديدة. ما يعقد فكفكة «بابوشكا» التي حطت في سوريا، أن اللاعبين والمراقبين يتزايدون يوماً بعد يوم. موسكو لم تنزل اليوم مع «القيصر» بوتين الى سوريا. موسكو موجودة منذ حوالى نصف قرن. الجديد أن «القيصر» قرر ضمن استراتيجيته الناشطة، أن سوريا مهمة لروسيا مثل أوكرانيا.

«الدب» الروسي، بحاجة الى الضفاف الدافئة لبحر الأبيض المتوسط، حتى تصبح مطالبته بـ«الشراكة» مع الولايات المتحدة الأميركية شرعية. على «الدب» الروسي التحرك بعناية ودراية وحتى ببراعة حتى لا ينزلق نحو «أفغنة» ثانية قد تكون أقسى وأشرس. كل شيء يتوقف على السرّ الذي تكشفه اللعبة الأخيرة من «بابوشكا» وهو ماذا يريد «القيصر» في سوريا؟ ما يعقد الموقف أمام «القيصر» أنه لا يكفي التفاهم مع واشنطن حتى تستقيم الأمور له.

يجب العثور على صيغة مقبولة مع الرياض وطهران وأنقره وإسرائيل حتى لا يتحوّل «داعش» الى مكوّن سني شامل متى انزلق في «مستنقعه» لن يمد أحداً يده لسحبه منه.

واشنطن نسقت حكماً مع موسكو. ليس فقط من أجل عدم وقوع أخطاء نارية بين «الأصدقاء». لا شك أن المحادثات الأميركية الروسية أوسع من ذلك بكثير. الهدف ضرب «داعش»، والمحافظة على «الدولة» السورية حتى لا تتكرر صيغة العراق، العقدة اللغم في هذا مصير الأسد. ما لم يتم الاتفاق نهائياً على كل شيء، لا شيء. واشنطن تعرف أن 9500 طلعة جويّة في سوريا لم تنتج كثيراً، ليس لأنها لا تملك «بنك أهداف» وإنما لأنها لم تقرر فعلاً الحسم ولأن القصف الجوي وحده يجرح لكنه لا يقتل.

طهران، مهما كابرت، خسرت مع النزول الروسي الواسع. النزول العسكري الروسي بقوة جواً وبحراً وحتى براً ولو بأعداد محدودة، يؤكد ميدانياً أن استراتيجية الجنرال قاسم سليماني العسكرية قد فشلت. منذ عامين تقريباً والجنرال الذي تحوّل الى «أسطورة» إيرانية، يملك القرار العسكري في سوريا، خصوصاً بعد أن أعاد تشكيل أكثر من لواء سوري على نهج «الحرس« الإيراني، وضم «حزب الله« بأعداد كبيرة الى جانب العراقيين من لواء أبو الفضل العباس والأفغان «الفاطميين» والباكستانيين «الزينبيين». كل ذلك لم ينتج نصراً لأن الضعف ضرب «العمود الفقري« للجيش السوري، وهو ما تحدث عنه الرئيس بشار الأسد. الجيش السوري أصبح يفتقد العديد، وهو غير قادر على التجنيد لسد الخسائر المرتفعة والمتزايدة، هذا النزول يعني ارتفاع «حصة» موسكو من سوريا. الوجود العسكري اليوم، يترجم مستقبلاً أفضل على «طاولة» المفاوضات، ربما هذا التحول هو الذي يرضي واشنطن، ورافضي قيام «دولة الأسد العلوية». روسيا كانت وما زالت تريد «دولة» سوريا، بينما إيران لا تمانع في النهاية من الإمساك «بالدولة» أو «الكانتون العلوي». الآن على طهران أن تتفاهم مع موسكو قبل أي خطوة قادمة. 

حتى الآن لم يظهر أي تعليق عربي على «النزول» الجوي البحري الروسي. جميع الأطراف العربية لزمت الصمت. من الصعب البناء إيجاباً أو سلباً على هذا الصمت الذي يكتنفه الغموض. يجب المراقبة ميدانياً من حلب الى صنعاء لقراءة الإجابة الواقعية.

يبقى ماذا عن تركيا وإسرائيل. تركيا لاعب حدودي كبير في سوريا. لا يمكن لموسكو تجاهل أنقرة. يكفي قراءة ما فعلته أنقرة بأوروبا، حتى تحسب موسكو لها ألف حساب. لم يُسمح لتركيا بإقامة المنطقة العازلة. كما شجعت أوروبا الأكراد على التصعيد، فجاء الرد عاجلاً بأمواج من اللاجئين السوريين الذين أربكوا أوروبا حاضراً ومستقبلاً. يجب متابعة الحوار الروسي التركي لتحديد ماذا تريد أنقرة وماذا ستأخذ لاحقاً.

أما إسرائيل التي ضمنت احتكارها الحصول من واشنطن على طائرات أف 35، فإنها سارعت الى التفاهم مع موسكو. بنيامين نتنياهو بحضور قيادة أركان الجيش الإسرائيلي تباحث مع بوتين، وتبادل معه الضمانات العسكرية والتوضيحات السياسية. «القيصر» طمأن نتنياهو أن سوريا الأسد لا تريد ولا هي قادرة على الصدام مع إسرائيل. بمعنى آخر قدّم القيصر لنتنياهو بالتكافل والتضامن مع الأسد الضمانات الكافية لإبقاء الجولان هادئاً كما كان منذ العام 1973 حتى الآن.

حتى الآن لم يظهر من «بابوشكا» سوى الجزء الثاني. بقي الكثير خصوصاً أن النهاية ستكون على «طاولة» المفاوضات.