يخطئ من يتصور ان بشار الاسد بعد التدخل العسكري الروسي سيعود الى ما كان عليه قبل المجازر التي ارتكبها بحق شعبه لكن الالاف من ضحاياه يجعلون من استمرار حكمه بمثابة معجزة، وهذا ما ينطبق على خصومه من داعش الى جماعة النصرة والجيش الحر، ممن تحول الى خصوم شرسين يستحيل ان ينصاعوا لاوامره لمجرد ان قدراته العسكرية قد تغيرت بمستوى تحسين اداء طيرانه الحربي (…)
وما يقال عن نظام الاسد لا بد وان يقال عن مجموعة خصومه الذين لم يعودوا يعرفون من اين تأتيهم المواجهة، خصوصا انهم غير موحدين، ما يجعل الحرب في سوريا تدور بين نظامين سياسيين وعسكريين مختلفين بشهادة المراقبين الديبلوماسيين من الطرفين، لاسيما ان خطوة اميركا سحب منظوماتها الصاروخية من الاراضي الحدودية التركية ترك انطباعا بوجود خشية من ان تتطور الحرب الى صراع بين الاميركيين والروس، الى حد تشبيه ما حصل في سوريا بما سبق وحصل في افغانستان حيث انقلبت حركة طالبان على الروس ثم عادت لتساوي بينهم وبين الخصوم الاميركيين!
وفي مطلق الاحوال، لا بد من انتظار تغيير على الساحة السورية، حيث يستحيل على الروس ان يحاربوا بطائراتهم من هم على الارض، الا في حال تطورت المواجهات الى مشاركة الجيش الايراني مدعوما من حزب الله لاعادة تقويم ما لم تعد السلطة السورية قادرة على الامساك به في عدد من مناطق الشمال، حيث يقال ان الدور الروسي والايراني لن يتجاوز المنطقة الحدودية الواقعة بين اللاذقية – طرطوس وصولا الى دمشق ومحيطها الذي لا يزال عرضة لمناوشات من شأنها افهام الاسد وحزب الله انهما غير قادرين على الامساك بالورقة على الارض.
وتجدر الاشارة في هذا السياق الى ان الحال السورية على الحدود العراقية – الاردنية تختلف تماما عن العمق السوري باتجاه حلب وحماه والشرق السوري حيث لم يعد من اثر لقوات الاسد بعد الاطاحة، بها في مواجهات مباشرة مع داعش والنصرة، لاسيما ان «دواعش» العراق على شيء من التنظيم يكفل عدم اسقاط تلك المناطق بيد جماعة الاسد، اضف الى ذلك ان المستوى القتالي الجوي الروسي يقتصر على عدد قليل من الطيران الذي لا بد وان يحاذر مواجهة الطائرات الاميركية والفرنسية الحليفة في سماء سوريا.
وما يقال عن الروس ودورهم المحوري، لا بد وان يقال مثله عن دور اميركا والحلفاء في العراق، من غير انتظار حدوث تغيير جذري على الارض، على الرغم من تماسك النظام العراقي اكثر من النظام السوري، باستثناء بعض اماكن سيطرة داعش الذي عرف كيف يركز ضرباته على مناطق كان يعرف سلفا ان لا سلطة للدولة عليها، حيث سبق للاحزاب والتنظيمات العراقية ان سيطرت عليها حتى في عز حكم صدام حسين ان في شمال العراق بما في ذلك المناطق ذات الاغلبية الشيعية التي لا تزال تناوش النظام في عقر داره؟!
وما يقال عن الشيعة، يقال عن الاكراد حيث امكن لهؤلاء فرض سيطرة وهمية على مناطقهم من غير ان يثبتوا اقدامهم في المناطق التي خرجت عن سيطرتهم، بما فيها المناطق المتاخمة لتركيا حيث يقال ان كردستان العراق يستحيل عليها الارتباط بكردستان تركيا حيث الحرب قائمة على قدم وساق من غير حاجة لمعرفة مدى ومجال التدخل الاجنبي الاميركي – الاوروبي في الصراع على الارض (…)
وفي عودة الى الوضع في سوريا، فان نسبة القوة الجوية الروسية لن تكون قادرة على تغيير وجه الحرب في مختلف مواقع جبهات القتال، حيث لا بد من معرفة ماذا تريد واشنطن من وراء ترك الروس يدخلون على الخط السوري، الا في حال كانت الغاية تقليص الدور الايراني بما في ذلك خلق مشاكل بين الروس من جهة وبين ايران وحزب الله من جهة ثانية، وهذا السيناريو غير مستبعد طالما ان الاميركيين يحتاجون الى من يحدد لهم مهامهم بعكس ما هو سائد على الارض السورية!
الموضوع ابعد من الحفاظ على نظام الاسد بعد الذي ارتكبه من فظائع وحمامات دم بحق شعبه الا اذا كان المقصود خرق الوحدة السورية باتجاه خلق دولتين او اكثر، شرط ان يبقى الاسد مسيطرا على المنطقة التي تربط بين دمشق واللاذقية وفي حال صدقت هذه التوقعات عندها سيكون حديث عن اكثر من سوريا واحدة؟!